(فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ) بَيْنَ الْمَالِكِ وَذِي الْيَدِ لَوْ (قَالَ الْمَالِكُ) لِدَابَّةٍ مَثَلًا (آجَرْتُك) هَا (وَقَالَ الْمُتَصَرِّفُ) فِيهَا (أَعَرْتنِي) هَا (صُدِّقَ) الْمُتَصَرِّفُ بِيَمِينِهِ (إنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ) وَلَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا حَتَّى نَجْعَلَهُ مُدَّعِيًا لِسُقُوطِ بَدَلِهِ (وَيَحْلِفُ مَا آجَرْتنِي) لِتَسْقُطَ عَنْهُ الْأُجْرَةُ، وَيَرُدُّ الْعَيْنَ إلَى مَالِكِهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَالِكُ يَمِينَ الرَّدِّ وَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ (وَمَتَى مَضَتْ مُدَّةٌ) لَهَا أُجْرَةٌ (صُدِّقَ الْمَالِكُ) بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ، وَقَالَ كُنْت أَبَحْته لِي، وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْذَنُ فِي الِانْتِفَاعِ غَالِبًا بِمُقَابِلٍ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذِهِ، وَمَا لَوْ قَالَ الْغَسَّالُ أَوْ الْخَيَّاطُ فَعَلْت بِالْأُجْرَةِ، وَمَالِكُ الثَّوْبِ مَجَّانًا حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ مَالِكُ الثَّوْبِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَى عِوَضًا عَلَى الْغَيْرِ، وَالْمُتَصَرِّفُ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ مَالِ غَيْرِهِ، وَطَلَبَ إسْقَاطَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يُصَدَّقْ. (وَيَحْلِفُ) الْمَالِكُ (مَا أَعَرْتُك بَلْ آجَرْتُك) لِيَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى نَفْيِ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ أَصْلَ الْإِذْنِ حَتَّى يَتَوَصَّلَ إلَى إثْبَاتِ الْمَالِ بِنَفْيِ الْإِذْنِ وَنِسْبَتِهِ إلَى الْغَصْبِ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِأَصْلِ الْإِذْنِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ.
(وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) لَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِجَارَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ كَانَ الْوَاجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَبِالْأَوْلَى إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ (فَلَوْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (لَمْ يَحْلِفْ الْمُتَصَرِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي إلَّا الْإِعَارَةَ، وَهِيَ لَا تَلْزَمُ فَإِنْ تَلِفَتْ فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرٍ لَهَا) ، وَهُوَ (يَدَّعِي الْأُجْرَةَ) إنْ كَانَ التَّلَفُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ (فَيُعْطَى قَدْرَهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ (مِنْهَا) أَيْ الْقِيمَةِ (بِلَا يَمِينٍ، وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ) فِيمَا لَوْ زَادَتْ عَلَى الْقِيمَةِ (وَمَتَى قَالَ) لَهُ الْمَالِكُ (غَصَبْتنِي) فَقَالَ بَلْ أَعَرْتنِي (وَهُنَاكَ مُدَّةٌ) لَهَا أُجْرَةٌ وَلَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ (صُدِّقَ) الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فَلِلْمَالِكِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ إذْ لَمْ تَفُتْ الْعَيْنُ وَلَا الْمَنْفَعَةُ (فَلَوْ تَلِفَتْ) تَلَفًا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ (فَلَهُ أَخْذُ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ بِلَا يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ مُقِرٌّ لَهُ بِهَا (وَلَا يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ) فِيمَا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ (وَ) لَا (الزَّائِدَ) عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ مِمَّا اقْتَضَاهُ الْغَصْبُ (إلَّا بِيَمِينٍ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ غَصَبْتنِي، وَقَالَ الرَّاكِبُ آجَرْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً (وَلَهُ) فِيمَا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ (أَخْذُ الْمُسَمَّى) أَيْ قَدْرِهِ (بِلَا يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُقِرٌّ لَهُ بِهِ (وَيَحْلِفُ لِبَاقِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ) أَيْ لِلزَّائِدِ عَلَى الْمُسَمَّى بَلْ وَلِقِيمَةِ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ مَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ بِلَا يَمِينٍ، وَأَخْذَ مَا يُنْكِرُهُ بِالْيَمِينِ (وَإِنْ قَالَ الرَّاكِبُ آجَرْتنِي، وَقَالَ الْمَالِكُ أَعَرْتُك صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ) لِمَا مَرَّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (حَلَفَ الْآخَرُ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ (وَاسْتَوْفَى الْمُدَّةَ، وَإِنْ حَلَفَ) الْمَالِكُ (وَهُنَاكَ مُدَّةٌ) لَهَا أُجْرَةٌ (فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ) الرَّاكِبُ (بِأُجْرَةٍ) ، وَهُوَ (يُنْكِرُهَا) ، وَقَدْ عُرِفَ حُكْمُهُ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) فِي ذَلِكَ (بَعْدَ التَّلَفِ) لِلْعَيْنِ (وَ) بَعْدَ (مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَكْثَرَ) مِنْ الْقِيمَةِ (أَخَذَ مِنْهَا قَدْرَ الْقِيمَةِ أَوْ مُسَاوِيَةٍ) لَهَا (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهَا (أَخَذَهَا) أَيْ الْأُجْرَةَ أَيْ قَدْرَهَا (بِلَا يَمِينٍ فَإِنْ نَقَصَتْ) أَيْ الْأُجْرَةُ عَنْ الْقِيمَةِ (حَلَفَ لِلْبَاقِي) .
وَلَوْ قَالَ بَدَلَ فَاتَ إلَى آخِرِهِ وَحَلَفَ فِي الْأَخِيرَةِ لِلْبَاقِي كَانَ أَوْضَحَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّلَفِ، وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ حَلَفَ الْمَالِكُ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ أَتْلَفَهَا، وَيَدَّعِي مُسْقِطًا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
(وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ غَصَبْتنِي فَقَالَ) ذُو الْيَدِ (بَلْ أَوْدَعْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ) ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ إنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَجَزَمَ الْهَرَوِيُّ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ ذُو الْيَدِ قَالَ: وَيُوَافِقُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَخَذْت مِنْهُ أَلْفًا، وَفَسَّرَهَا الْوَدِيعَةِ، وَقَالَ الْمُقَرِّ لَهُ بَلْ غَصَبْتهَا صُدِّقَ الْمُقِرُّ قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ لَا يُوجَدَ اسْتِعْمَالٌ يُخَالِفُ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَلِفِ، وَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ عِنْدَ التَّلَفِ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ لِمَا بَعْدَ التَّعَدِّي قَالَ فَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَالْآخَرُ الْوَدِيعَةَ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِتَصْدِيقِ مُدَّعِي الْوَدِيعَةِ حَتَّى يَنْتَفِيَ عَنْهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ بِالْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمُضَمَّنِ، وَالْأَمَانَةُ هُنَا مَقْصُودَةٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَقَدْ أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا فَتَلِفَتْ فَادَّعَى الدَّافِعُ الْقَرْضَ وَالْآخَرُ الْوَدِيعَةَ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ الْقَابِضُ، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ. انْتَهَى.
فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ) (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَالِكُ آجَرْتُكَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ مُدَّةَ كَذَا بِكَذَا. اهـ. مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي دَعْوَى الْمَالِكِ مِنْ تَعْيِينِ الْأُجْرَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ إنْ أَوْجَبْنَا الْمُسَمَّى وَجَبَ ذِكْرُهُ، وَإِلَّا كَفَاهُ ذِكْرُ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَمَتَى مَضَتْ مُدَّةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ) الْمُرَادُ تَصْدِيقُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ لَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْآخَرُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ أَثْنَائِهَا (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْذَنُ فِي الِانْتِفَاعِ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا كَالْأَعْيَانِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْنِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَقَالَ الْمَالِكُ بِعْتُكهَا وَقَالَ بَلْ، وَهَبْتنِيهَا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ فَكَذَا هُنَا (قَوْلُهُ: فَلَوْ نَكَلَ لَمْ يَحْلِفْ الْمُتَصَرِّفُ إلَخْ) هَكَذَا فِي الرَّوْضَةِ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ لَا يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شَيْئًا، وَأَمَّا عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ فَلَا مَحِيصَ عَنْهُ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ رَمَزَ إلَى أَنَّهُمَا أَيْ الرَّاكِبَ وَالزَّارِعَ يَحْلِفَانِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْغُرْمِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ غَصَبَتْنِي) أَيْ أَوْ بِعْتُك بِكَذَا (قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: قَالَ وَيُوَافِقُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وُجِدَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَلِفِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا إلَخْ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ أَيْضًا الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِائْتِمَانِ النَّافِي