صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي (لَا الْكُوزَ) أَيْ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ (فَإِنْ سَقَاهُ مَجَّانًا) فَانْكَسَرَ الْكُوزُ (فَعَكْسُهُ) أَيْ فَيَضْمَنُ الْكُوزَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَارِيَّةٍ فَاسِدَةٍ لَا الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ.
(فَرْعٌ) لَوْ (قَالَ أَعِرْنِي دَابَّةً فَقَالَ خُذْ إحْدَى دَوَابِّي صَحَّتْ) أَيْ الْعَارِيَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُعَارِ عِنْدَ الْإِعَارَةِ وَخَالَفَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَالْغَرَرُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا.
(الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ، وَيَكْفِي لَفْظٌ مِنْ جَانِبٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ) فِي الِانْتِفَاعِ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَبَحْتُك مَنْفَعَةَ هَذَا مَعَ فِعْلٍ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَإِنْ تَرَاخَى أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ (فَلَوْ قَالَ أَعِرْنِي فَأَعْطَاهُ أَوْ) قَالَ لَهُ (أَعَرْتُك فَأَخَذَ صَحَّتْ) أَيْ الْعَارِيَّةُ كَمَا فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ الْمُعِيرِ بِخِلَافِهِ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ الضَّمَانُ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ جَانِبِهِ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فَاحْتِيجَ إلَى لَفْظٍ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَأَيْضًا فَالْوَدِيعَةُ مَقْبُوضَةٌ لِغَرَضِ الْمَالِكِ وَغَرَضُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ جَانِبِهِ وَالْعَارِيَّةُ بِالْعَكْسِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِلَفْظِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ إلَّا فِيمَا كَانَ عَارِيَّةً ضِمْنًا كَظَرْفِ الْهَدِيَّةِ الْآتِي وَظَرْفِ الْمَبِيعِ إذَا تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ (فَلَوْ رَآهُ عَارِيًّا فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا أَوْ فَرَشَ لَهُ مُصَلَّى أَوْ وِسَادَةً) أَوْ نَحْوَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ (فَهُوَ إبَاحَةٌ) لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ إبَاحَةٍ عَارِيَّةٌ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ مَبْسُوطٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ انْتِفَاعَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَالْعَارِيَّةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ.
وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ لَهُ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ، وَمُسَاوِيًا لِلْإِبَاحَةِ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى لَفْظٍ فَكُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ أَوْلَى (وَإِنْ أَكَلَ هَدِيَّةً مِنْ ظَرْفِهَا ضَمِنَهُ) بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا، وَإِلَّا فَبِحُكْمِ الْغَصْبِ (لَا إنْ كَانَ لَهَا عِوَضٌ، وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ) فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ بِحُكْمِ الْغَصْبِ، وَهَذَا قَدْ يُسْتَشْكَلُ بِظَرْفِ الْمَبِيعِ إذَا تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ عَارِيَّةً، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ هُنَا بِالْأَكْلِ مِنْ ظَرْفِ الْهَدِيَّةِ قُدِّرَ أَنَّ عِوَضَهَا مُقَابِلٌ لَهَا مَعَ مَنْفَعَةِ ظَرْفِهَا بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ عَارِيَّةً فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا ضَمِنَهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ فَأَمَّا قَبْلَهُ فَأَمَانَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِلَا عِوَضٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْهِبَةِ، وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَرَجَّحَ أَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ لِمَنْفَعَةِ الظَّرْفِ لَا إعَارَةٌ لَهُ كَمَا أَنَّ هِبَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ لَيْسَتْ إعَارَةً لِلدَّارِ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَاكَ وَهَبَ الْمَنَافِعَ بِخِلَافِهِ هُنَا.
(فَرْعٌ) لَوْ (قَالَ أَعَرْتُك حِمَارِي لِتُعِيرَنِي كَذَا أَوْ) دَابَّتِي (لِتَعْلِفَهَا) أَوْ عَلَى أَنْ تَعْلِفَهَا (أَوْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِجَارَةٌ) لَا إعَارَةٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى (فَاسِدَةٌ) لِلتَّعْلِيقِ فِي الْأُولَى وَلِجَهْلِ الْعَلَفِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُدَّةِ فِي الثَّالِثَةِ فَيَجِبُ فِي الثَّلَاثِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِعَدَمِ الْقَبْضِ مُدَّةَ الْإِمْسَاكِ، وَلَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ (فَإِنْ قَدَّرَ مَعَ) ذِكْرِ (الدَّرَاهِمِ) فِي الثَّالِثَةِ (مُدَّةً) مَعْلُومَةً كَأَنْ قَالَ أَعَرْتُك دَارِي شَهْرًا مِنْ الْيَوْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ (فَعَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ أَوْ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ، وَجْهَانِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ الثَّانِي اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى كَمَا صَحَّحَهُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ.
(فَرْعٌ) لَوْ (أَعْطَاهُ حَانُوتًا وَدَرَاهِمَ أَوْ أَرْضًا وَبَذْرًا، وَقَالَ اتَّجَرَ) بِالدَّرَاهِمِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْحَانُوتِ (أَوْ ازْرَعْهُ) أَيْ الْبَذْرَ (فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْضِ (لِنَفْسِك فَالْأَرْضُ) فِي الثَّانِيَةِ (أَوْ الْحَانُوتُ) فِي الْأُولَى (عَارِيَّةٌ، وَهَلْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الْبَذْرُ قَرْضٌ أَوْ هِبَةٌ، وَجْهَانِ) قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ مَلَكَهُ الْآمِرُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ بِبَدَلِ مَا دَفَعَهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ وَلِيَّ الدِّينِ الْعِرَاقِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَزَادَ فِي الْأَنْوَارِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْقَصْدِ.
قَوْلُهُ: وَيَكْفِي لَفْظٌ إلَخْ) وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَةُ وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ (قَوْلُهُ: فَكُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحٌ) لَكِنَّ الثَّانِيَةَ أَوْلَى إنَّمَا حَكَى الْأَصْلُ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي رَأْيًا مَرْجُوحًا مُقَابِلًا لِمَا صَحَّحَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَالنُّسْخَةُ الْأُولَى هِيَ الْجَارِيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. (تَنْبِيهٌ) هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبَاحَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْبَحْرِ لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَبَحْت لَك فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَيُشْبِهُ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ إذْ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا. اهـ. بَلْ هُوَ الْأَصَحُّ
(قَوْلُهُ: وَلِجَهْلِ الْعَلَفِ فِي الثَّانِيَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُعَارِ عَلَى مَالِكِهِ لَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَرْطُهُ مُفْسِدًا وَبِهِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ خِلَافًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْقَرْضِ إنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ الْمُقْرَضِ عَلَى الْمُقْرِضِ إنْ قُلْنَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالتَّصَرُّفِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قُبَيْلَ الصَّوْمِ عَنْ الْمَذْهَبِ فَقَالَ عِنْدَنَا لَا نَفَقَةَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إنَّمَا هِيَ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَعْنَى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: وَهَلْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الْبَذْرُ قَرْضٌ أَوْ هِبَةٌ وَجْهَانِ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَالْأَصَحُّ هُنَا الثَّانِي (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ وَلِيَّ الدِّينِ الْعِرَاقِيَّ) نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهَا، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ)