لِلْمُقَرِّ لَهُ وَفِي الْمِثَالِ السَّابِقِ فَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ ثَلَاثَةٌ لِلْمُنْكِرِ وَاثْنَانِ لِلْمُقِرِّ وَوَاحِدٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ.
(وَلَوْ أَقَرَّ بِنَسَبِ مَنْ يَحْجُبُهُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ) لِلْمَيِّتِ (ثَبَتَ النَّسَبُ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ فِي الظَّاهِرِ قَدْ اسْتَلْحَقَهُ (لَا الْإِرْثُ لِلدَّوْرِ) الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ، وَهُنَا يَلْزَمُ مِنْ إرْثِ الِابْنِ عَدَمُ إرْثِهِ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ وَارِثًا فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ (فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ يَرِثْ مَعَهُمَا) لِذَلِكَ (وَإِنْ خَلَّفَ بِنْتًا أَعْتَقَتْهُ فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ لَهَا فَهَلْ يَرِثُ) فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَوْ لَا (وَجْهَانِ) عَلَّلَهُمَا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا بَلْ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةَ الْوَلَاءِ) وَكَأَنَّهُ قَالَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا حِرْمَانًا وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةَ الْوَلَاءِ أَيْ الْإِرْثَ بِهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَلَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ فَأَقَرَّتَا بِابْنٍ لَهُ سُلِّمَ لِلْأُخْتِ نَصِيبُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَهَا، ذَكَرَهُ الْأَصْلُ.
(فَرْعٌ) لَوْ (ادَّعَى) مَجْهُولٌ (عَلَى أَخِي الْمَيِّتِ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ الْأَخُ وَنَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (فَحَلَفَ الْمُدَّعِي) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ (ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَمْ يَرِثْ) لِمَا مَرَّ فِي إقْرَارِ الْأَخِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَبَطَلَ نُكُولُ الْأَخِ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي.
(فَرْعٌ: إقْرَارُ الْوَرَثَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ) بِأَنْ أَقَرُّوا بِزَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ (مَقْبُولٌ فَإِنْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ فَالتَّوْرِيثُ) أَيْ حُكْمُهُ (كَمَا) مَرَّ فِي نَظِيرِهِ (فِي النَّسَبِ) فَيُشَارِكُ الْمُقَرُّ بِهِ الْمُقِرُّ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا.
(فَرْعٌ: لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ، وَقَالَ) مُنْفَصِلًا (أَرَدْت مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَسَّرَ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ وَاسْتُشْكِلَ بِقَوْلِ الْعَبَّادِيِّ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَخُوهُ لَا يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَا يُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ (وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى أَبِيهِ بِالْوَلَاءِ) فَقَالَ هُوَ عَتِيقُ فُلَانٍ (ثَبَتَ عَلَيْهِ) الْوَلَاءُ (إنْ كَانَ الْمُقِرُّ حَائِزًا) قَالَ الْقَفَّالُ وَلَمْ تُعْرَفْ لَهُ أُمٌّ حُرَّةُ الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَإِقْرَارُهُ لَغْوٌ (وَإِنْ أَقَرَّ اثْنَانِ) مِنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ (بِأَخٍ) لَهُمْ (وَشَهِدَا لَهُ عِنْدَ إنْكَارِ الثَّالِثِ) قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِشَرْطِهَا؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمَا فِيهَا ضَرَرًا.
(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ عَارَةٌ بِوَزْنِ نَاقَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ وَلِعَقْدِهَا مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ عِيَارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ وَقِيلَ مِنْ التَّعَاوُرِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] فَسَّرَهُ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ بِمَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» وَخَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ دِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ وَرُوِيَ أَغَصْبًا فَقَالَ بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَانَتْ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا فَصَارَتْ مُسْتَحَبَّةً أَيْ أَصَالَةً وَإِلَّا فَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ، وَقَدْ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ وَالْأَمَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُعِيرُ وَيُشْتَرَطُ) فِيهِ (صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَبَرُّعٌ بِالْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ (وَ) يُشْتَرَطُ فِيهِ (مِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ) وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ، وَقْفٍ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ) بِأَنْ يُوجِبَ شَيْءٌ حُكْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ مُتَمَانِعَيْنِ يَنْشَأُ الدَّوْرُ مِنْهُمَا وَالدَّوْرُ اللَّفْظِيُّ أَنْ يَنْشَأَ الدَّوْرُ مِنْ لَفْظِ اللَّافِظِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ السُّرَيْجِيَّةِ، وَمَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الْعَزْلِ بِإِدَارَةِ الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ: وَهُنَا يَلْزَمُ مِنْ إرْثِ الِابْنِ عَدَمُ إرْثِهِ) نَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَرِثَ أَخٌ عَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا فَشَهِدَا بِابْنٍ لِلْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَلَا يَرِثُ شَيْئًا لِلدَّوْرِ لَوْ قَالَ بِشَهَادَةِ الْعَتِيقِ مِنْ الْإِرْثِ كَانَ أَوْلَى إذْ لَوْ شَهِدَ عَتِيقُ أَخٍ مَعَ شَاهِدٍ آخَرَ كَانَ حُكْمُهُ أَنْ لَا يَرِثَ فَلَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْعَتِيقِ فِي عَدَمِ الْإِرْثِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) وَرَجَّحَهُ فِي الْبَيَانِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.
(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) . (قَوْلُهُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ إلَخْ) رَدَّهُ الرَّاغِبُ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ بِدَلِيلِ تَعَاوَرْنَا الْعَوَارِيَّ وَالْعَارُ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ بِدَلِيلِ عَيَّرْته بِكَذَا، وَقَوْلُ الْعَامَّةِ غَيْرَهُ لَحْنٌ وَرَدَّهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الشَّارِعَ فَعَلَهَا (قَوْلُهُ: وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا إبَاحَةُ إلَخْ) فَلَيْسَتْ هِبَةً لِلْمَنَافِعِ فَلَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالرَّدِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى إلَخْ) وقَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] (قَوْلُهُ: كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) وَإِعَارَةُ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ كَمَا لَوْ خَشِيَ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ وَوَجَدَ بِئْرًا وَمَعَ غَيْرِهِ دَلْوٌ أَوْ رِشَاءٌ يَكْتَفِي مِنْهُ بِدَلْوٍ مَثَلًا أَوْ أَوْصَى أَنْ تُعَارَ دَارُهُ مِنْ زَيْدٍ سَنَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ تَنْفِيذُهُ وَكَمَا فِي عَارِيَّةِ كِتَابٍ كَتَبَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ سَمَاعَ غَيْرِهِ أَوْ كُتِبَ بِإِذْنِهِ أَفْتَى بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَجِبُ عَيْنًا بَلْ هِيَ أَوْ النَّقْلُ إنْ كَانَ النَّاقِلُ ثِقَةً وَكَعَارِيَّةِ الْمُصْحَفِ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ، وَهُوَ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ قَالَ شَيْخُنَا الْوُجُوبُ مُسَلَّمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ إذَا وَجَدَ مَنْ يُعِيرُهُ أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلَا.
وَقَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْقِيَاسُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ إلَخْ) أَيْ وَالسِّلَاحِ وَالْخَيْلِ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَالْمُصْحَفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكَافِرِ كَبَيْعِهَا مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ) أَيْ النَّاجِزِ لِيَخْرُجَ السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ بِالْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَالْمَأْخُوذُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَالْأُجْرَةِ سِوَى النَّفْسِ فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ