الْحَوَالَةَ كَجَحْدِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ) لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّافِعَ مُصَدِّقٌ لِلْقَابِضِ عَلَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ صَارَ لَهُ بِالْحَوَالَةِ وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ ظَلَمَهُ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ فَتُخَالِفُ الْحَوَالَةُ الْوَكَالَةَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَطَالَبَهُ، وَقَوْلَ أَصْلِهِ وَغَرَّمَهُ لَيْسَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا، وَإِنْ كَانَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُمَا فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ تَلِفَ أَمَّا فِي الدَّيْنِ فَيَنْبَغِي رُجُوعُ الْغَرِيمِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمُسْتَحِقُّ وَلَمْ يُغَرِّمْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِلْكُهُ.
(فَصْلٌ: وَإِنْ صَرَّحَ الْوَكِيلُ بِجُحُودِ الْوَكَالَةِ أَوْ الْقَبْضِ) مِنْ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْغَرِيمِ فَأَقَامَ الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَا يُخَالِفُ جُحُودَهُ (ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِقَبْلِ الْجُحُودِ (أَوْ التَّلَفِ قَبْلَ الْجُحُودِ لَمْ يُصَدَّقْ) لِمَصِيرِهِ خَائِنًا (بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ وَنَحْوِهِ) كَقَوْلِهِ مَا لَك عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ كَمَا يُفْهَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا يَأْتِي إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ (فَلَوْ أَقَامَ الْمُصَرِّحُ) بِجُحُودِ مَا ذُكِرَ (بَيِّنَةً) بِمَا ادَّعَاهُ (سُمِعَتْ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي لَسَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فَكَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ (وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْجُحُودِ التَّلَفَ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ التَّلَفَ بَعْدَ الْجُحُودِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِئَلَّا يَتَخَلَّدَ فِي الْحَبْسِ) وَلِتَنْقَطِعَ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ بِرَدِّ الْعَيْنِ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لِخِيَانَتِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى الْغَاصِبُ التَّلَفَ وَمَا عَلَّلَ بِهِ هُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا عَلَّلْتُ بِهِ هُوَ مَا فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَازِمًا لِلثَّانِي.
(فَرْعٌ: لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْخِيَانَةِ حَتَّى يُبَيِّنَهَا) بِأَنْ يُبَيِّنَ مَا خَانَ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ بِعْت بِعَشَرَةٍ وَمَا دَفَعْت إلَّا خَمْسَةً
(فَصْلٌ: وَلَوْ صَدَّقَ الْمُوَكِّلُ) بِقَبْضِ دَيْنٍ أَوْ اسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أَوْ نَحْوِهِ (مُدَّعِيَ التَّسْلِيمِ إلَى وَكِيلِهِ الْمُنْكِرِ) لِذَلِكَ (لَمْ يُغَرِّمْهُ) أَيْ الْمُوَكِّلُ مُدَّعِيَ التَّسْلِيمِ (بِتَرْكِهِ الْإِشْهَادَ) وَيُفَارِقُ مَا لَوْ تَرَكَ الْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْإِشْهَادَ حَيْثُ يُغَرِّمُهُ الْمُوَكِّلُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ لِلْمُوَكِّلِ فَإِذَا تَرَكَهُ غَرِمَ بِخِلَافِ الْغَرِيمِ (وَيَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ) وَنَحْوِهِمَا (بِالْمُصَادَفَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ) بِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْعَقْدِ (إنْ كَذَّبَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ) بِأَنْ قَالَ لَمْ أَكُنْ مَأْذُونًا فِيهِ (لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ وَافَقَهُ الْمُشْتَرِي) فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ عَلَى التَّكْذِيبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ (إلَّا إنْ أَقَامَ) الْمُشْتَرِي (بَيِّنَةً بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا) لَهُ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ.
(كِتَابُ الْإِقْرَارِ) هُوَ لُغَةً الْإِثْبَاتُ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ يَقِرُّ قَرَارًا إذَا ثَبَتَ وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَيُسَمَّى اعْتِرَافًا أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] وَفُسِّرَتْ شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِقْرَارِ، وَقَوْلُهُ {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] ، وَقَوْلُهُ {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] إلَى قَوْلِهِ {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] أَيْ فَلْيُقِرَّ بِالْحَقِّ دَلَّ أَوَّلُهُ عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِ الرَّشِيدِ عَلَى نَفْسِهِ وَآخِرُهُ عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِ الْوَلِيِّ عَلَى مُوَلِّيهِ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «اُغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَالْقِيَاسُ لِأَنَّا إذَا قَبِلْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَأَنْ نَقْبَلَ الْإِقْرَارَ أَوْلَى.
(وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّافِعَ مُصَدِّقٌ لِلْقَابِضِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْجُحُودِ التَّلَفَ إلَخْ) لَوْ اعْتَرَفَ بِالْأَصْلِ وَقَالَ أَرُدُّ أَوْ أَدْفَعُ دَفْعًا آخَرَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ تَالِفًا، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى التَّلَفِ السَّابِقِ سُمِعَتْ وَحَلَفَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا وَسَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ.
(قَوْلُهُ: لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْخِيَانَةِ حَتَّى يُبَيِّنَهَا إلَخْ) لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ طَالَبَتْك بِرَدِّ الْمَالِ أَوْ بِالثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ فَامْتَنَعْت مُقَصِّرًا إلَى أَنْ تَلِفَ وَقَالَ الْوَكِيلُ لَمْ تَطْلُبْ، وَلَمْ أَكُ مُقَصِّرًا أَوْ مُتَمَسِّكًا مِنْ الرَّدِّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى آخَرَ لِيُودَعَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ جَاءَ وَطَالَبَهُ فَأَنْكَرَ تَسْلِيمَ الْوَكِيلِ إلَيْهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ مَالًا إلَى آخَرَ وَقَالَ اقْضِ بِهِ دَيْنَ فُلَانٍ عَلَيَّ كَانَ لِلدَّائِنِ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى وَقَالَ اشْتَرَيْت لَك وَقَالَ بَلْ لِنَفْسِك صُدِّقَ الْوَكِيلُ، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَكَالَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَضَاهُ أَلْفًا، وَلَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ فَبَيِّنَةُ الْقَضَاءِ أَوْلَى. وَلَوْ أَنْكَرَ الْقَرْضَ مِنْ أَصْلِهِ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْإِقْرَاضِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْقَضَاءِ فَبَيِّنَةُ الْإِقْرَاضِ أَوْلَى وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ إلَخْ) وَبِأَنَّ حَقَّ الْوَدِيعَةِ الْإِخْفَاءُ بِخِلَافِ أَدَاءِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ بِالْمُصَادَقَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْعُقُودِ عَلَى قَوْلِ الْعَاقِدِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ بِالْمُدَافَعَةِ وَتَعَذُّرِ الْإِثْبَاتِ عِنْد أَنْفُسِهِمْ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ بِالْوَكَالَةِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ، وَكَذَا عِلْمُ الْوَلِيِّ بِوَكَالَةِ وَكِيلِ الزَّوْجِ نَعَمْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمُحَكَّمِ فَإِنَّهُ بِمَعْزِلٍ مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ الْإِذْنَ أَوْ أَقَرَّ بِهِ، وَأَقَامَ الْعَاقِدُ بَيِّنَةً عَلَى إنْكَارِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ حُكِمَ فِي النِّكَاحِ بِالْبُطْلَانِ وَسُقُوطِ الصِّدْقِ إذَا حَلَفَ وَفِي خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ كَاذِبًا وَفِي الْبَيْعِ بِوُقُوعِهِ لِلْوَكِيلِ وَفِي صُورَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ التَّوْكِيلَ انْدَفَعَ النِّكَاحُ وَيَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ، وَلَا يُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ لِسُقُوطِهِ.
(كِتَابُ الْإِقْرَارِ) . (قَوْلُهُ وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ) أَيْ عَلَى الْمُخْبِرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَعْوَى أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَشَهَادَةٌ، وَهَذِهِ أَقْسَامُ الْخَبَرِ عَنْ خَاصٍّ وَضَبَطَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِضَابِطٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ إنْ كَانَ ضَارًّا لِقَائِلِهِ فَهُوَ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَارًّا بِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَافِعًا لَهُ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ الدَّعْوَى وَالثَّانِي الشَّهَادَةُ. اهـ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي الْإِخْبَارُ عَنْ عَامٍّ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِغَيْرِهِ وَيَنْحَصِرُ أَيْضًا فِي ثَلَاثَةٍ الرِّوَايَةُ وَالْحُكْمُ وَالْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ فَهُوَ الْحُكْمُ، وَإِلَّا فَالْفَتْوَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّا إذَا قَبِلْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَأَنْ نَقْبَلَ الْإِقْرَارَ أَوْلَى)