وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُبْرِئَ مِنْ مَجْهُولٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَذْكُرَ عَدَدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ مَثَلًا فَيَقُولُ: أَبْرَأْتُك مِنْ مِائَةٍ، وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك مِنْ الدَّعْوَى، وَلَمْ يَبْرَأْ، وَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا وَيَكْفِي فِي الْإِبْرَاءِ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَكَالَةِ (وَإِنْ مَلَّكَهُ) أَيْ مَدِينُهُ (مَا فِي ذِمَّتِهِ بَرِئَ) مِنْهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ (وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ كَالْإِبْرَاءِ) وَاحْتَجَّ الْمُتَوَلِّي بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْإِبْرَاءِ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا لَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: مَلَّكْتُك رَقَبَتَك أَوْ لِزَوْجَتِهِ مَلَّكْتُك نَفْسَكَ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْقَبُولُ فِي الْإِبْرَاءِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ (وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدَ خَصْمَيْهِ) مُبْهَمًا (لَمْ يَصِحَّ أَوْ) أَبْرَأَ وَارِثٌ (عَنْ دَيْنِ مُوَرِّثٍ) لَهُ (لَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ صَحَّ) كَمَا فِي الْبَيْعِ فِيهِمَا

(فَرْعٌ) لَوْ (اسْتَحَلَّ مِنْهُ مِنْ غِيبَةٍ) اغْتَابَهَا لَهُ وَ (لَمْ يُبَيِّنْهَا) لَهُ (فَأَحَلَّهُ) مِنْهَا (فَهَلْ يَبْرَأُ) مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَمَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ عَبْدٍ ثُمَّ عَفَا سَيِّدُهُ عَنْ الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمَقْطُوعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رِضَاهُ، وَلَا يُمْكِنُ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ، وَيُفَارِقُ الْقِصَاصَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ بِخِلَافِ إسْقَاطِ الْمَظَالِمِ (وَجْهَانِ) جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ بِالثَّانِي، قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ يُسَامَحُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، وَزَعَمَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ الْجَزْمُ بِهِ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْأَرْشِ) بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (كَالْإِبْرَاءِ عَنْهُ وَلَوْ) كَانَ الْمَضْمُونُ أَوْ الْمُبْرَأُ عَنْهُ (إبِلًا) حَتَّى إبِلَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ السِّنِّ وَالْعَدَدِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ اُغْتُفِرَ جَهْلُ صِفَتِهَا فِي إثْبَاتِهَا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَيُغْتَفَرُ فِي ضَمَانِهَا وَالْإِبْرَاءِ عَنْهَا تَبَعًا لَهُ، وَيَرْجِعُ فِي صِفَتِهَا إلَى غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ، وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَبِإِبِلِ الدِّيَةِ (وَيَرْجِعُ) ضَامِنُهَا إنْ ضَمِنَهَا بِالْإِذْنِ، وَغَرِمَهَا (بِمِثْلِهَا لَا الْقِيمَةِ) كَمَا فِي الْقَرْضِ، وَقِيلَ: الْعَكْسُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ.

(وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدِّيَةِ عَنْ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحُلُولِ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ بَعْدُ وَلَوْ سُلِّمَ ثُبُوتُهَا فَلَيْسَتْ لَازِمَةً وَلَا آيِلَةً إلَى اللُّزُومِ عَنْ قُرْبٍ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (وَلَوْ ضَمِنَ أَوْ أَبْرَأَ) مِنْ الدَّيْنِ (مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ، أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ صَحَّ) كُلٌّ مِنْ الضَّمَانِ وَالْإِبْرَاءِ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ (وَتَعَيَّنَ) لِلضَّمَانِ أَوْ لِلْإِبْرَاءِ (مَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ) بِقَوْلِهِ: لِزَيْدٍ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ، أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ، فَيَتَعَيَّنُ فِي الْأُولَى تِسْعَةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَمَانِيَةٌ كَمَا يَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْإِقْرَارِ لَكِنَّهُ ذُكِرَ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ، وَقِيَاسُهُ تَعَيُّنُ الْعَشَرَةِ فِي الْأُولَى هُنَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا، وَعَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ فِي عَدَدٍ فَالظَّاهِرُ اسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الَّذِي يُضْمَنُ وَيُبْرَأُ مِنْهُ (وَإِنْ قَالَ جَاهِلًا) بِقَدْرِ الدَّيْنِ (ضَمِنْت) لَك (دَرَاهِمَك) الَّتِي (عَلَيْهِ فَهَلْ يَصِحُّ) ضَمَانُهُ (فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا) لِدُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ بِكُلِّ حَالٍ (وَجْهَانِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ هَلْ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَمِثْلُهُ الْإِبْرَاءُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي التَّفْوِيضِ فِي الصَّدَاقِ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ أَبْطَلَ الْإِبْرَاءَ فِي غَيْرِ الْمُتَيَقَّنِ، وَجَعَلَ الْمُتَيَقَّنَ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنْ تَفْرِيق الصَّفْقَةِ، هَذَا وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ: أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ يَقُولُ: الْمُتَيَقَّنُ دِرْهَمَانِ فَعَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الضَّامِنُ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْإِبْرَاءِ

(فَرْعٌ لَوْ ضَمِنَ عَنْهُ زَكَاتَهُ صَحَّ) كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ عِنْدَ الْأَدَاءِ) كَمَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ غَيْرُهُ زَكَاتَهُ بِلَا ضَمَانٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الضَّمَانِ عَنْ الْحَيِّ أَمَّا الْمَيِّتُ فَيَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ بَيْنَ أَنْ يَسْبِقَهُ ضَمَانٌ أَمْ لَا قَالَ: ثُمَّ إنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ فَيَظْهَرُ صِحَّتُهَا أَيْضًا كَمَا أَطْلَقُوهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا يَكُونُ تَمْلِيكًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مَالًا فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْمَالِيَّةِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ اهـ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: اشْتِرَاطُ عِلْمِ الْمَدْيُونِ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ قَبُولِهِ أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْقَبُولُ فِي الْإِبْرَاءِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا صَحَّحَهُ يُشْكَلُ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ وَهُوَ أَنَّا إذَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ لَمْ نَشْرِطْهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا هُنَاكَ: إذَا رَدَّ يَبْطُلُ حَقُّهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ يَمْلِكُ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ، وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وَقَدْ نَفَذَ الْإِبْرَاءُ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِحُصُولِهِ فِي مِلْكِ الْمَدْيُونِ قَهْرًا مِمَّنْ كَانَ يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَاقِفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيمَا وَقَفَهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَارْتَدَّ بِرَدِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ قَبُولُهُمْ لَبَعُدَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ قَالَ شَيْخُنَا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، وَالْوَقْفُ تَمْلِيكٌ لِلرِّيعِ

(قَوْلُهُ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ بِالثَّانِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَوْ أَنَّهُ حَلَّلَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَجَبَ لَهُ لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى يُبَيِّنَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ حَلَّلَهُ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ضَمِنَ أَوْ أَبْرَأَ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: أُعْطُوهُ مِنْهُ وَاحِدًا إلَى عَشَرَةٍ، وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْحِسَابَ فَلِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ؛ لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ مِنْ جَمْعِ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ عَلَى تَوَالِي الْعَدَدِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُطَّرِدٌ فِي الْإِقْرَارِ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَلَا يَكُونُ وَجْهًا ثَالِثًا فَمَتَى ثَبَتَ أَنَّهُ أَرَادَهُ لَزِمَهُ الْجُمْلَةُ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي التَّفْوِيضِ فِي الصَّدَاقِ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الصِّحَّةِ) هُوَ الرَّاجِحُ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015