وَالْكَوَّاتُ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَهِيَ الطَّاقَةُ (وَ) لَهُ (حَفْرُ سِرْدَابٍ أَحْكَمَهُ بَيْنَ دَارَيْهِ تَحْتَ الطَّرِيقِ النَّافِذِ) لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ (لَا) تَحْتَ الطَّرِيقِ (الْمَسْدُودِ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي مُشْتَرَكٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِغَيْرِ إذْنٍ كَمَا مَرَّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الطَّرِيقَ يُقَالُ عَلَى النَّافِذِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّارِعِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ عَامٌّ فِي الصَّحَارِيِ وَالْبُنْيَانِ وَالنَّافِذِ وَغَيْرِهِ وَالشَّارِعُ خَاصٌّ بِالْبُنْيَانِ وَبِالنَّافِذِ.

(فَصْلٌ لَهُ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ وَضْعِ جِذْعٍ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ خَشَبَةٍ، وَمِنْ بِنَاءٍ (عَلَى جِدَارِهِ) لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ فِي أَرْضِهِ وَالْحَمْلَ عَلَى بَهِيمَتِهِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِجَارِهِ لِقُرْبِهِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِ نَفْسِهِ، وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ وَرُؤْيَةِ الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَظْرَفَةِ وَنَحْوِهَا وَخَشَبَةٍ رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ مُنَوَّنًا، وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا (وَلَوْ أَعَارَهُ) لَهُ لِذَلِكَ (فَلَهُ الرُّجُوعُ) قَبْلَ الْوَضْعِ وَالْبِنَاءِ وَبَعْدَهُمَا كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ (فَيَقْلَعُ) ذَلِكَ إنْ شَاءَ (بِالْأَرْشِ) أَيْ مَعَ غُرْمِ أَرْشِ نَقْصِهِ (أَوْ يَبْقَى) ذَلِكَ (بِالْأُجْرَةِ) كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ (وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ) لِذَلِكَ بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ فَإِنَّ لَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ (؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَلَا تَتْبَعُ الْبِنَاءَ) بَلْ تَسْتَتْبِعُهُ وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَلَا يَسْتَتْبِعُ فَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ مَحَلُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ) وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا مَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ لِلْبِنَاءِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ مَعَ الْأَرْشِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْمُسْتَعِيرِ تَفْرِيغُ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَلْعِ هُنَا تَوَجَّهَتْ إلَى مَا مَلَكَ غَيْرُهُ بِجُمْلَتِهِ، وَإِزَالَةُ الظَّرْفِ عَنْ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ جَاءَتْ بِطَرِيقِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ الْحِصَّةِ مِنْ الْأَرْضِ فَنَظِيرُ مَا هُنَاكَ إعَارَةٌ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ (وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى) بِمَعْنَى عَنْ (وَضَعَهُ) أَيْ الْجِذْعَ عَلَى الْجِدَارِ بِمَالٍ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْجِدَارِ وَهُوَ إمَّا بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا (بِخِلَافِ) الصُّلْحِ عَنْ إشْرَاعِ (الْجَنَاحِ؛ لِأَنَّهُ هَوَاءٌ مَحْضٌ) أَيْ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَنْ هَوَاءٍ مَحْضٍ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَإِنْ وَجَدْنَاهُ) أَيْ الْجِذْعَ (مَوْضُوعًا) عَلَى الْجِدَارِ، وَلَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَ (فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ) وُضِعَ (بِحَقٍّ فَلَا يُنْقَضُ وَيُقْضَى) لَهُ (بِاسْتِحْقَاقِهِ) دَائِمًا فَلَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ فَلَهُ إعَادَةُ الْجِذْعِ وَلِمَالِك الْجِدَارِ نَقْضُهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْدِمًا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.

(فَصْلٌ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ) بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ (تَتْرِيبُ الْكُتَّابِ مِنْ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا (وَ) لَا (إحْدَاثُ كَوَّةٍ وَوَتِدٍ فِيهِ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُضَايِقُ فِيهِ عَادَةً كَمَا لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ بِغَيْرِ إذْنٍ إمَّا بِالْإِذْنِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِعِوَضٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكَوَّةِ وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا عَنْ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ: وَإِذَا فَتَحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ لَهُ السَّدُّ أَيْضًا إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ (وَلَهُ الِاسْتِنَادُ وَإِسْنَادُ الْمَتَاعِ) إلَى جِدَارِ شَرِيكِهِ (وَإِلْصَاقُ جِدَارٍ بِهِ) إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا (لَا يَثْقُلُهُ) وَنَحْوُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى دَارِ جَارِهِ وَرُدَّ بِتَصْرِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِجَوَازِ فَتْحِ كَوَّةٍ فِي مِلْكِهِ مُشْرِفَةٍ عَلَى جَارِهِ، وَعَلَى حَرِيمِهِ وَلَا يَكُونُ لِلْجَارِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ رَفْعَ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ فَإِذَا رَفَعَ بَعْضَهُ لَمْ يُمْنَعْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ الْجَارِ بِأَنْ يَبْنِيَ فِي مِلْكِهِ جِدَارًا يُقَابِلُ الْكَوَّةَ وَيَسُدُّ ضَوْأَهَا وَرُؤْيَتَهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا، وَلَهُ نَصْبُ شُبَّاكٍ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ خَرَجَ هُوَ أَوْ غِطَاؤُهُ كَانَ كَالْجَنَاحِ قَالَ السُّبْكِيُّ: فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُعْمَلَ فِي الطَّاقَاتِ أَبْوَابٌ تَخْرُجُ فَتَمْنَعُ مِنْ هَوَاءِ الدَّرْبِ، وَقَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصْلٌ لَهُ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ وَضْعِ جِذْعٍ وَمِنْ بِنَاءٍ عَلَى جِدَارِهِ]

(قَوْلُهُ فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ) لِقُوَّةِ الْعُمُومَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ إعْرَاضُ مَنْ أَعْرَضَ فِي زَمَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَوْلُهُ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِجَارِهِ الْقَرِيبِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُ إلَخْ) وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ، وَالْقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعَارَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ) يَسْتَفِيدُ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ الْوَضْعَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ رَفَعَ جُذُوعَهُ أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ فَبَنَاهُ صَاحِبُهُ بِتِلْكَ الْآلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَضْعُ ثَانِيًا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا تَنَاوَلَ مَرَّةً لَوْ وَضَعَ أَحَدُ مَالِكَيْ الْجِدَارِ جُذُوعَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْهَدَمَ ذَلِكَ الْبِنَاءُ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ تَجُوزُ لَهُ إعَادَةُ الْجُذُوعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِدَارِ الْمُخْتَصِّ وَالْمُشْتَرَكِ فِي أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ إعَادَةُ الْجُذُوعِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَجْهًا ثَانِيًا (قَوْلُهُ فَيُقْلَعُ بِالْأَرْشِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِ مِلْكِهِ إلَّا بِتَخْرِيبِ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ فَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلًا مِلْكَ إنْسَانٍ وَكَبَّرَ وَصَارَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِقَلْعِ الْبَابِ فَإِنَّ لِمَالِكِهِ قَلْعَ الْبَابِ وَغُرْمَ النُّقْصَانِ فَكَذَا هُنَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعِيرِ إلَّا الْقَلْعُ أَوْ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ وَلِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقَلْعُ أَوْ التَّبْقِيَةُ بِأُجْرَةٍ

(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ، وَبَقِيَ الْحَائِطُ بِحَالِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ فِي وَضْعِ جِذْعٍ بِعَيْنِهِ عَلَى الْحَائِطِ فَأَرَادَ وَضْعَ غَيْرِهِ وَكَانَ الثَّانِي أَكْبَرَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَأَثْقَلَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الْجِذْعَ بِعَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْجِذْعُ مُعَيَّنًا بَلْ كَانَ مَوْصُوفًا وَأَرَادَ وَضْعَ جِذْعٍ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ أَمْ لَا الْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدِّرَ الزَّمَانَ أَوْ الْمَسَافَةَ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مَا لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي زَمَنِ اللَّيْلِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015