(الطَّرِيقُ النَّافِذُ) بِالْمُعْجَمَةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ (مُبَاحٌ لَا يَمْلِكُ) لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمْ (فَتْحُ بَابٍ) مِنْ مِلْكِهِ (إلَيْهِ) كَيْفَ شَاءَ (وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ) التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَلَهُ (إشْرَاعُ) أَيْ إخْرَاجُ (جَنَاحٍ) أَيْ رَوْشَنٍ (وَسَابَاطٍ فِيهِ) أَيْ سَقِيفَةٍ بَيْنَ حَائِطَيْهِ (لَا يَشُقُّ ظَلَامَهُ، وَلَا يَضُرُّ الْمَارَّ) الْمَاشِيَ (الْمُنْتَصِبَ تَحْتَهُ) وَعَلَى رَأْسِ الْحُمُولَةِ الْعَالِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً أَمْ ضَيِّقَةً لَا تَمُرُّ فِيهَا الْقَوَافِلُ وَالْفَوَارِسُ وَسَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ فِيهِ أَمْ لَا لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَتَقْيِيدُهُ الظَّلَامَ بِالْمَشَقَّةِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ، وَفِي التَّتِمَّةِ: إنْ انْقَطَعَ الضَّوْءُ كُلُّهُ أَثَرٌ، وَإِنْ نَقَصَ فَلَا، وَتَصْرِيحُهُ بِالْمُسْلِمِ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ مَعَ ذَلِكَ (بِالْمَحْمَلِ مَعَ كَنِيسَةٍ) أَيْ أَعْوَادٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَيْهِ مُعَدَّةٍ؛ لَأَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا سُتْرَةٌ تَقِي الرَّاكِبَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَتَسْتُرُهُ (عَلَى الْبَعِيرِ إنْ كَانَتْ) أَيْ الطَّرِيقُ (جَادَّةً) أَيْ وَاسِعَةً تَمُرُّ فِيهَا الْقَوَافِلُ وَالْفَوَارِسُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا فَقَدْ يَتَّفِقُ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ.
وَقَالَ: إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ فَمُمْتَنَعٌ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ حَسَنٌ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَيْسَ لَهُ خَاصَّةً (وَلَوْ أَحْوَجَ) الْإِشْرَاعُ (إلَى وَضْعِ الرُّمْحِ عَلَى الْكَتِفِ) أَيْ كَتِفِ الرَّاكِبِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ (لَمْ يَضُرَّ) فِي جَوَازِ الْإِشْرَاعِ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى كَتِفِهِ لَيْسَ بِعَسِيرٍ، وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا ضَرَرٌ يُحْتَمَلُ عَادَةً كَعَجْنِ الطِّينِ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ، وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا، وَرَبْطُ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ، وَقَوْلُهُ: يُضِرُّ بِالْمَارِّ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَضَرَّ بِهِ إضْرَارًا بِخِلَافِ يَضُرُّهُ مِنْ ضَرَّهُ ضَرَرًا فَإِنَّهُ بِفَتْحِهَا (وَلَا يُحْدِثُ فِيهِ دَكَّةً) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ مَسْطَبَةً (وَ) لَا (شَجَرَةً وَلَوْ اتَّسَعَ) الطَّرِيقُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِهِمَا الطُّرُوقَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ، وَقَدْ تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِمَا وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْأَمْلَاكَ، وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا، وَإِنْ غَرَسَهَا لِلْمَسْجِدِ لِيَصْرِفَ رِيعَهَا لَهُ فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ، وَالْخَاصُّ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَحَافِظٌ لَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ، فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ فِيهِ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ الدَّكَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي جَوَازُهُ حِينَئِذٍ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَرِيمِ مِلْكِهِ وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (، وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَسَبَقَهُ جَارُهُ إلَى بِنَاءِ جَنَاحٍ) فِي مُحَاذَاتِهِ وَلَوْ بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُ مَعَهُ إعَادَةُ الْأَوَّلِ أَوْ كَانَ صَاحِبُهُ عَلَى عَزْمِ إعَادَتِهِ (صَارَ أَحَقَّ) بِهِ كَمَا لَوْ قَعَدَ لِاسْتِرَاحَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِارْتِفَاق بِهِ، وَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ اعْتِبَارِ الْإِعْرَاضِ فِي الْقُعُودِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ بَقَاءُ حَقِّهِ هُنَا إلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ قُلْت: الْمُعَامَلَةُ لَا تَدُومُ بَلْ الِانْتِقَالُ عَنْهَا ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الطَّرِيقُ النَّافِذُ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ وَقَفَ مِلْكَهُ شَارِعًا (قَوْلُهُ إشْرَاعُ جَنَاحٍ) الْمُرَادُ بِهِ إبْرَازُ الْخَشَبِ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ: لَا يَشُقُّ ظَلَامَهُ) بِأَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِيهِ بِإِظْلَامِ الْمَوْضِعِ فَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ مُنِعَ (قَوْلُهُ الْغَالِبَةُ) قَالَ الْأُشْمُونِيُّ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
(تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قِيلَ إذَا جَازَ الْجَنَاحُ فَلَهُ نَصْبُهُ وَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ السِّكَّةِ، وَقَالُوا فِي الْمِيزَابِ: لَهُ تَطْوِيلُهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ السِّكَّةِ فَلِلْجَارِ الْمُقَابِلِ مَنْعُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْجَارَ مُحْتَاجٌ إلَى الْمِيزَابِ فَكَانَ حَقُّهُ فِيهِ كَحَقِّ الْجَارِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَصْبِ الْجَنَاحِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هَكَذَا ظَنَنْته ع (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ فَمُمْتَنَعٌ) وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ عَلَى أَشْبَهِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَطْلَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ نَعَمْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَالَهُ سُلَيْمٌ وَبِهِ أَفْتَيْت (قَوْلُهُ وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إلَخْ) يَمْنَعُ مِنْ طَرْحِ الْكُنَاسَةِ عَلَى جَوَادِ الطَّرِيقِ وَتَبْدِيدِ قُشُورِ الْبِطِّيخِ وَرَشِّ الْمَاءِ بِحَيْثُ يُزْلَقُ بِهِ، وَيُخْشَى مِنْهُ السُّقُوطُ، وَإِرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْمَيَازِيبِ إلَى الطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ، وَإِلْقَاءِ النَّجَاسَةِ بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى التَّخَلِّي فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرِ بِالْمَسْجِدِ إلَخْ) وَبِأَنَّ شَجَرَةَ الْمَسْجِدِ يَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ قَطْعِهَا إذَا رَأَى فِي ذَلِكَ الْمَصْلَحَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ، وَشَجَرَةُ الْمَالِكِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَفِيهِ تَحَجُّرٌ عَلَى الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا) أَيْ فَإِنَّهَا مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا غَرَسَهَا لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ الدِّكَّةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي جَوَازُهُ إلَخْ) وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ. اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا أَبْدَاهُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَفِي كَوْنِ الدَّارِ فِي الشَّارِعِ لَهَا حَرِيمٌ كَلَامٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِمَنْعِ بِنَاءِ الدِّكَّةِ عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَالدِّكَكُ إنَّمَا تُبْنَى غَالِبًا فِي أَفَنِيَّةِ الدُّورِ لَا عَلَى أَبْوَابِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدِّكَّةِ الْعَالِيَةِ وَغَيْرِهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ ذَكَرَا فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي الشَّوَارِعِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَقْطَعِ أَنْ يُبْنَى فِيهِ وَيَتَمَلَّكَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ إطْلَاقِهِمَا كَغَيْرِهِمَا الْمَنْعُ مِنْ بِنَاءِ الدِّكَّةِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا فِي الْجِنَايَاتِ عَلَى مَا زَادَ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلطُّرُوقِ وَمَا هُنَا عَلَى بِنَاءِ الدِّكَّةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ أَوْ فِيمَا زَادَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ إقْطَاعٍ مِنْ الْإِمَامِ فَيَكُونُ إقْطَاعُ الْإِمَامِ فِيمَا زَادَ رَافِعًا لِلْمَنْعِ فِيهِ أب قَالَ شَيْخُنَا: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ إنْ أَقْطَعَهُ لِلِارْتِفَاقِ وَبِلَا عِوَضٍ جَازَ أَوْ بِعِوَضٍ أَوْ لِلتَّمَلُّكِ امْتَنَعَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى حَاجَةِ الطُّرُوقِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْجِنَايَاتِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ: قُلْت: الْمُعَامَلَةُ لَا تَدُومُ إلَخْ) فَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بِفَرْقَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِاسْتِحْقَاقِ