الرَّشِيدِ مَنْ سَفِهَ بَعْدَ رُشْدِهِ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْأَصَحَّ نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِهِ كَالرَّشِيدِ إلَى أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَفِي مَعْنَاهُ أَيْضًا مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَأَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي الْإِقْبَاضِ (وَيَلْغُو إقْرَارُهُ بِمَالٍ) وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ (وَكَذَا بِجِنَايَةِ تَوْجِيهٍ) كَالصَّبِيِّ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ، وَمَحَلُّهُ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ إنْ كَانَ صَادِقًا فِيهِ (لَا) إقْرَارُهُ (بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا) فَلَا يَلْغُو (وَإِنْ عَفَا) عَنْ الْقِصَاصِ (عَلَى مَالٍ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ وَلِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلُزُومِ الْمَالِ فِي الْعَفْوِ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَا بِإِقْرَارِهِ (وَيُقْبَلُ) إقْرَارُهُ (فِي السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ لَا لِلْمَالِ) كَالْعَبْدِ (وَ) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (فِي الْوَطْءِ لِلنَّسَبِ لَا) لِثُبُوتِ (الِاسْتِيلَادِ) لِلْمَوْطُوءَةِ (وَالنَّفَقَةِ) عَلَيْهِ لِلْوَلَدِ بَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ وَوَلَدَتْ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ) لَزِمَهُ (قَبْلَ الْحَجْرِ فَإِنْ لَزِمَهُ بِالْبَيِّنَةِ) يَعْنِي أُقِيمَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ (ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لَاغٍ كَمَا مَرَّ.
(فَصْلٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَرَجْعَتُهُ وَخُلْعُهُ) وَلَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ) بِلِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّهَا مَا عَدَا الْخُلْعَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ، وَأَمَّا الْخُلْعُ فَكَالطَّلَاقِ بَلْ أَوْلَى، وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَهُ نَفْيَ السَّبَبِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الْأَصْلِ لَهُ بِاللِّعَانِ (فَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا سَرَّى بِجَارِيَةٍ) صَوَابُهُ جَارِيَةً قَالَهُ النَّوَوِيُّ مَعَ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي مَوَاضِعَ بِالْأَوَّلِ (إنْ احْتَاجَ) إلَى الْوَطْءِ (فَإِنْ كَرِهَهَا أُبْدِلَتْ) وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ بَيَانُ الْمِطْلَاقِ (وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَاتِ) الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ (لَا) فِي (صَرْفِ الزَّكَاةِ كَالرَّشِيدِ) لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهِ بِخِلَافِ صَرْفِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ وَتَصَرُّفٌ مَالِيٌّ نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ لَهُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ صَحَّ صَرْفُهُ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَكَمَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْلِفُ الْمَالَ إذَا خَلَا بِهِ أَوْ يَدَّعِي صَرْفَهُ كَاذِبًا وَكَالزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا.
(وَإِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ قَدْ سَبَقَ) بَيَانُهُ (فِيهِ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالْمَالِ لَا بِعَيْنِ مَالِهِ) هَذَا مُقَيِّدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّ الْمُرَادَ بِصِحَّةِ نَذْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ (وَيُكَفِّرُ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ) كَالْيَمِينِ (بِالصَّوْمِ) كَالْمُعْسِرِ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَعْتِقُ عَنْهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْجُورِيُّ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ، وَالْأَصْلُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فِيهَا بِالْمَالِ وَالْفَرْقُ ذَكَرَهُ الْجُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ السُّبْكِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بِهِ بَيْنَ كَفَّارَتَيْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكُلُّ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَجِّ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُخَيَّرَةِ لَا يُكَفَّرُ عَنْهُ إلَّا بِالصَّوْمِ وَمَا كَانَ مُرَتَّبًا يُكَفَّرُ عَنْهُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ أَيْ مَعَ تَرَتُّبٍ، وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ سَبَبُهُ فِعْلٌ أَيْضًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُكَفَّرُ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالصَّوْمِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَجَعَلَهُ كَالْيَمِينِ لَكِنْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ عَادَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّشِيدِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَفِي مَعْنَاهُ أَيْضًا مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَأَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي الْإِقْبَاضِ) هَذَا مَمْنُوعٌ إذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ فِيهِ كَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَيَلْغُو إقْرَارُهُ بِالْمَالِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ ثَبَتَ وَيُنْفَقُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُسْتَلْحَقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اهـ هَذَا يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَبْدَهُ قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَقَالَ هَذَا ابْنِي، وَأَمْكَنَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ فِي مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ، وَيَكُونُ ابْنَهُ بِإِقْرَارِهِ؛ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ نَسَبٍ قَدْ أَقَرَّ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ وَيُعْتَقُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ بَدَنٍ وَالْحُرِّيَّةُ تَتْبَعُهُ؛ وَلِهَذَا نُوقِعُ طَلَاقَهُ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ حَقُّ الْبَدَنِ، وَالْمَالُ تَبَعٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْحَجْرِ أَوْ مُضَمِّنًا لَهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَكَالزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ إنْ قُلْنَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ أَمَّا إذَا قُلْنَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فِيمَا عَدَا الْقَتْلَ فَلَا إلْحَاقَ نَعَمْ يُحْمَلُ عَلَى كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ مُرَتَّبَةً وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَرَّرَ فِي جَوَازِ دَفْعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الزَّكَاةَ إذَا عُيِّنَ آخِذُهُ، وَدُفِعَ مَا مَرَّ فِي السَّاعِي أَنَّهُ إذَا عُيِّنَ لَهُ آخُذُهُ وَدَفَعَ، اُشْتُرِطَ فِيهِ مَعَ الْإِسْلَامِ التَّكْلِيفُ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ وَمَا هُنَا رِسَالَةٌ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالْمَالِ) نَقَلَا هُنَا عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ بَعْدَ الْحَجْرِ كَالْمَنْذُورِ قَبْلَهُ إنْ سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَإِلَّا فَكَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَاخْتَارَ فِي الزَّوَائِدِ فِي الرَّجْعَةِ أَنْ لَا يُطْلَقَ فِي مَسْلَكِهِ تَرْجِيحٌ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي النَّذْرِ حَمْلَهُ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى الْعِتْقَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: الْأَرْجَحُ غَالِبًا حَمْلُهُ عَلَى الْوَاجِبِ اهـ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَلَوْ نَذَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَوْمَ يَوْمِهِ جَازَ (قَوْلُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ) أَيْ حَصَلَ بِهِ قَتْلُ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِدَلِيلِ مَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْجُورِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ غَيْرَ الْقَتْلِ كَالْمُعْسِرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ زَجْرًا لَهُ عَنْ الْقَتْلِ لِتَضَرُّرِهِ بِإِخْرَاجِ مَالِهِ فِي كَفَّارَتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا عِظَمُهَا لِمَا يَحْصُلُ بِهَا مِنْ حِفْظِ النُّفُوسِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ)