الْتِزَامُ الْقُرْبَةِ لَا الْقُرْبَةُ إذْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ.
(وَفِيهِ فَصْلَانِ. الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ النَّاذِرُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ) وَالِاخْتِيَارُ وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَنْذُرُهُ
(وَلَوْ سَكِرَ) حَالَ النَّذْرِ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّكْرَانَ مُكَلَّفٌ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ثَمَّ (فَلَا يَصِحُّ) النَّذْرُ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِالْتِزَامِ، وَلَا (مِنْ الْكَافِرِ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ أَوْ لِالْتِزَامِهَا وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَصِيَّتَهُ وَصَدَقَتَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةٌ، وَلَا مِنْ الْمُكْرَهِ كَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ وَلِخَبَرِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» لَا مِمَّنْ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَنَذْرِ السَّفِيهِ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
(وَيَصِحُّ) أَيْ النَّذْرُ (مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ) بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ (فِي الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ) بِخِلَافِ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ الْعَيْنِيَّةِ كَعِتْقِ هَذَا الْعَبْدِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ (، وَلَا حَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ فِي ذِمَّتِهِ) فَيَصِحُّ نَذْرُهُ الْمَالِيُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّيهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ نَذْرُ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ فِي الذِّمَّةِ لَكِنَّهُمَا جَزَمَا فِي بَابِ الْحَجْرِ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ أَوْجَهُ كَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْزَامُ الذِّمَّةِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا إنَّمَا يُؤَدِّي بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ كَمَا فِي نَذْرِ الْمُفْلِسِ وَنَذْرِ الرَّقِيقِ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَضَمَانَةِ أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُ نَذْرِهِ الْحَجَّ، وَيُشْبِهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِهِ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَيُفَارِقُ الضَّمَانَ بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي قُرْبَةٍ بِخِلَافِ الضَّمَانِ قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ مَرْهُونِ الْعَقْدِ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ، وَإِلَّا فَكَمَنْ نَذَرَ إعْتَاقَ مَنْ لَا يَمْلِكُهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ.
(الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا) فِي النَّذْرِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ بِهَا مِنْ الْبَيْعِ
(وَهُوَ) أَيْ النَّذْرُ قِسْمَانِ (نَذْرُ تَبَرُّرٍ) سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ بِهِ الْبِرَّ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَ) نَذْرُ لَجَاجٍ بِفَتْحِ اللَّامِ سُمِّيَ بِهِ لِوُقُوعِهِ حَالَةَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ (فَالْأَوَّلُ) ، وَهُوَ نَذْرُ التَّبَرُّرِ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا نَذْرُ الْمُجَازَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُدُوثُهُمَا نَادِرًا (كَقَوْلِهِ إنْ أَغْنَانِي اللَّهُ أَوْ شَفَانِي) أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي (فَعَلَيَّ كَذَا) وَكَقَوْلِ مَنْ شُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ شِفَائِي مِنْ مَرَضِي وَخَرَجَ بِحُدُوثِ مَا ذُكِرَ اسْتِمْرَارُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ (النَّوْعُ الثَّانِي - أَنْ يَلْتَزِمَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ) بِشَيْءٍ (فَيَصِحُّ إنْ الْتَزَمَ قُرْبَةً كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا) أَيْ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَزَمَ غَيْرَ قُرْبَةٍ، وَلَوْ مُبَاحًا فَلَا يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي
(وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ) الْمَذْكُورِ بِنَوْعِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ.
(لَا إنْ عَلَّقَ) النَّذْرَ (بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ) فَلَا يَصِحُّ (وَإِنْ شَاءَ) زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ، نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ التَّبَرُّكَ أَوْ وَقَّعَ حُدُوثُ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى
(وَأَمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ) وَالْغَضَبِ وَيُقَالُ لَهُ: يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَيَمِينُ الْغَلَقِ وَنَذْرُ الْغَلَقِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ (فَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ) بِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ
قَوْلُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ) فَإِنْ أَسْلَمَ نُدِبَ قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ أَوْ لِالْتِزَامِهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى وُضِعَ لِإِيجَابِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُمَا جَزَمَا فِي بَابِ الْحَجْرِ بِصِحَّتِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ فَيُحْمَلُ الْمَذْكُورُ هُنَا عَلَى الْمُعَيَّنِ وَقَوْلُهُ: فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ كَذَلِكَ) قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَالْقَاضِي مُجَلِّيٌّ هُنَا فَقَالَ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا لَزِمَهُ وَكَذَا الْحَجُّ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ حَجَّ فِي الرِّقّ فَأَوْجُه أَصَحّهَا يَبْرَأ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِث أَنْ حَجَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ بَرِئَ، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ، وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ مَرْهُونٍ انْعَقَدَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ) ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِهِ (قَوْلُهُ أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي) لَوْ نَذَرَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ الْمَنْذُورُ صَدَقَةٌ أَوْ عِتْقٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُنَا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاشْتَبَهَ فَيَجْتَهِدُ كَالْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ قَالَ فِي الْحَاوِي: إذَا نَذَرَ صَلَاةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لِيُصَادِفَهَا فِي إحْدَى لَيَالِيِهِ كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهَا فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لَمْ يَقْضِهَا إلَّا فِي مِثْلِهِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَعَلَيَّ كَذَا) أَوْ فَكَذَا لَازِمٌ لِي أَوْ يَلْزَمُنِي أَوْ فَقَدْ الْتَزَمَتْهُ نَفْسِي أَوْ أَوْجَبْته عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِحُدُوثِ مَا ذُكِرَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّهُ خَرَجَ بِالْمُجَازَاةِ لَا الْحُكْمِ
(قَوْلُهُ لَا إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ بِأَنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ الِاسْتِعَانَةَ بِاَللَّهِ عَلَى الْوَفَاءِ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ (قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ إلَخْ) نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْحَلِفِ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَالْعِتْقِ أَمَّا إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَفَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي الْتِزَامِ الْعِتْقِ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَلَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُحْلَفُ بِهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ وَالِالْتِزَامِ كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَعَلَيَّ عِتْقٌ وَالْحَلِفُ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ