سَكَنَ فِي الْبَطْنِ عَقِبَ ذَبْحِهَا وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَالْمَرُّوذِيُّ فَقَالَا بِحِلِّهِ مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، ثُمَّ قَالَ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّهُ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّيْدِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَأَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ فَقَصَّرَ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ انْتَهَى. وَفِي قِيَاسِهِ نَظَرٌ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ
(وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ) ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِهِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ فِي الْعِدَّةِ وَغَيْرِهَا فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيِّتًا، ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ حَلَّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ أَوْجَهُ (وَلَوْ لَمْ تَتَخَطَّطْ الْمُضْغَةُ) بِأَنْ لَمْ تَبِنْ فِيهَا الصُّورَةُ، وَلَمْ تَتَشَكَّلْ الْأَعْضَاءُ (لَمْ تَحِلَّ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ
(وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ) كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا.
(فَصْلٌ. وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ كَسْبُ الْحَجَّامِ) أَيْ تَنَاوُلُهُ، وَلَوْ كَسَبَهُ رَقِيقٌ (وَ) كَسْبُ سَائِرِ (مَنْ يُخَامِرُ النَّجَاسَةَ كَالْجَزَّارِ وَالزَّبَّالِ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْكَنَّاسِ وَالدَّبَّاغِ وَالْخَاتِنِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَنَاوُلُهُ سَوَاءٌ أَكَسَبَهُ حُرٌّ أَمْ غَيْرُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَى عَنْهُ وَقَالَ أَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ وَاعْلِفْهُ نَاضِحَكَ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى شَرَفُ الْحُرِّ وَدَنَاءَةُ غَيْرِهِ قَالُوا: وَصَرَفَ النَّهْيَ عَنْ الْحُرْمَةِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ» فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ لَهُ لِيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ وَقِيسَ بِالْحِجَامَةِ غَيْرُهَا مِنْ كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ مُخَامَرَةُ النَّجَاسَةِ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَنَحْوُهُ (وَلَوْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ دَنِيئَةٌ بِلَا) مُخَامَرَةِ (نَجَاسَةٍ) كَفَصْدٍ وَحِيَاكَةٍ (لَمْ تُكْرَهْ) إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَامَرَةُ نَجَاسَةٍ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِكَرَاهَةِ مَا مَرَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ: الْعِلَّةُ دَنَاءَةُ الْحِرْفَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَعَلَيْهِ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ كَسْبَ الصَّوَّاغِ قَالَ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَخْلُفُونَ الْوَعْدَ وَيَقَعُونَ فِي الرِّبَا لِبَيْعِهِمْ الْمَصُوغَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ: إنَّهُ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ إذْ الْأَصَحُّ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ الصَّائِغَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ وَقَدْ صَحَّحُوا أَنَّ الْحَائِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ دُونَ الصَّائِغِ، وَقَدْ صَحَّحُوا أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِي الْحِيَاكَةِ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الصِّيَاغَةِ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ كَرَاهَتِهَا لِوُجُودِ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ فِيهَا كَمَا تَقَرَّرَ دُونَ الْحِيَاكَةِ، وَإِذَا كُرِهَ شَيْءٌ كُرِهَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا يَحْرُمُ أَخْذُهَا عَلَى الْحَرَامِ (وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحَرَامِ يَحْرُمُ إعْطَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَأُجْرَةِ الزَّمْرِ وَالنِّيَاحَةِ، وَالْأَنْسَبُ بِعِبَارَتِهِ إعْطَاؤُهَا (فَإِنْ أَعْطَى) شَيْئًا (خَوْفًا) كَأَنْ أَعْطَى الشَّاعِرَ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ أَوْ الظَّالِمَ لِئَلَّا يَمْنَعَهُ حَقَّهُ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ (أَثِمَ الْآخِذُ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُعْطِي لِضَرُورَتِهِ وَقَوْلُهُ، وَكَمَا يَحْرُمُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ.
(فَرْعٌ أَفْضَلُ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ كَسْبُكَ مِنْ زِرَاعَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ؛ وَلِأَنَّهَا أَعَمُّ نَفْعًا؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا أَعَمُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ أَيْ يُنْقِصُهُ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ، وَلَا دَابَّةٌ، وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ (ثُمَّ) مِنْ (صِنَاعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِيهَا يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ (، ثُمَّ) مِنْ (تِجَارَةٍ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا.
(فَصْلٌ يَحْرُمُ) تَنَاوُلُ (مَا يَضُرُّ) الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ (كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ وَالسُّمِّ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنَّهُ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّيْدِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) لَا تَأْيِيدَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) قَالَ شَيْخُنَا فَعُلِمَ أَنَّ شَرْطَ حِلِّهِ أَنْ يُحَالَ مَوْتُهُ عَلَى التَّذْكِيَةِ لِأُمِّهِ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ مَاتَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ الْحِلُّ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يُحَالُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ) كَلَامُ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مَيْتَةٌ لَا مَحَالَةَ إذْ لَمْ يُذَكَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَلَا أَحْدَثَتْ ذَكَاتُهَا فِيهِ شَيْئًا، وَهَذَا كَالْمَقْطُوعِ بِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي بَابِ الْآنِيَةِ: الْمَيْتَةُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إلَّا خَمْسَةَ أَشْيَاءَ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالْآدَمِيُّ وَالْجَنِينُ إذَا مَاتَ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَالصَّيْدُ إذَا مَاتَ بَعْدَ إرْسَالِ مُرْسِلِهِ (قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَأَعْلِفْهُ نَاضِحَك) الْمُرَادُ دَوَابَّك مَا كَانَتْ، وَهَلْ الْكَرَاهَةُ لِلْحُرِّ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْأَكْلِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مَلْبُوسًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ آلَةً لِلْمَنْزِلِ لَمْ يُكْرَهْ؟ الظَّاهِرُ التَّعْمِيمُ وَذِكْرُ الْأَكْلِ فِي الْخَبَرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَوْ شَبَهُهُ وَالْحَلَالُ لَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَخُصُّ نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ، ثُمَّ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَأَهْلَهُ سَوَاءٌ فِي الْقُوتِ وَاللُّبْسِ دُونَ سَائِرِ الْمُؤَنِ مِنْ أُجْرَةِ حَمَّامٍ وَصَبَّاغٍ وَقِصَارَةٍ وَعِمَارَةِ مَنْزِلٍ وَفَحْمِ تَنُّورٍ وَدُهْنِ سِرَاجٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحِرَفِ، وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ الْإِحْيَاءِ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ مُلَاقٍ لِمَا قَالُوهُ (قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ دَنِيئَةً بِلَا نَجَاسَةٍ لَمْ تُكْرَهْ) ، وَلَا يُكْرَهُ الزَّرْعُ النَّابِتُ فِي النَّجَاسَةِ، وَإِنْ كَثُرَتْ
[فَرْعٌ أَفْضَلُ مَا أَكَلْت مِنْهُ كَسْبُكَ]
(قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهَا أَعَمُّ نَفْعًا لِلْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْأَقْوَاتِ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَتَقُومُ الْحَيَاةُ بِدُونِهِ.
(قَوْلُهُ يَحْرُمُ مَا يَضُرُّ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالطِّينِ) قَطَعَ فِي الْمُهَذَّبِ بِتَحْرِيمِهِ، وَكَذَا الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالتَّحْرِيمِ إنْ ظَهَرَتْ الْمَضَرَّةُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ شَرْحِهِ لِلْمِنْهَاجِ لَا يَحْرُمُ أَكْلُ الطِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِكَثْرَتِهِ فَيَحْرُمَ