التَّتَابُعَ بِغَيْرِ شَرْطٍ (مَا عَدَا زَمَنَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فِيهِ أَمَّا زَمَنُ قَضَائِهَا فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلِأَنَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ مُسْتَمِرٌّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ اخْتِصَاصُ هَذَا بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْأَوْجَهُ جَرَيَانُهُ فِي كُلِّ مَا يَطْلُبُ الْخُرُوجَ لَهُ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ عَادَةً كَأَكْلٍ وَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَأَذَانِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ بِخِلَافِ مَا يَطُولُ زَمَنُهُ كَمَرَضٍ وَعِدَّةٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَالْمَوْقِعُ لِلرَّافِعِيِّ فِيمَا قَالَهُ إيهَامٌ وَقَعَ فِي الْوَجِيزِ
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ مَنْ خَرَجَ لِمَا ذُكِرَ (تَجْدِيدُ النِّيَّةِ) بَعْدَ عَوْدِهِ (إنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ (كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْغُسْلِ) الْوَاجِبِ وَالْأَذَانِ إذَا جَوَّزْنَا الْخُرُوجَ لَهُ (وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِمَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ) وَكَانَ مِنْهُ بُدٌّ لِشُمُولِ النِّيَّةِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ (وَأُلْحِقَ بِهِ الْخُرُوجُ لِغَرَضٍ اسْتَثْنَى) أَيْ اسْتِثْنَاءُ الْمُعْتَكِفِ (وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ فَجَامَعَ أَوْ خَرَجَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ عَادَ لِيُتِمَّ الْبَاقِي جَدَّدَ النِّيَّةَ) لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا مَضَى (وَتَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ (الْجُمُعَةُ) فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لَهَا (وَإِنْ خَرَجَ لَهَا بَطَلَ) تَتَابُعُهُ (لِتَقْصِيرِهِ) بِعَدَمِ اعْتِكَافِهِ فِي الْجَامِعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ بَيْنَ أَبْنِيَةِ الْقَرْيَةِ لَا فِي جَامِعٍ لَمْ يَبْطُلْ تَتَابُعُهُ بِالْخُرُوجِ لَهَا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ صَغِيرَةً لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَهْلِهَا فَأُحْدِثَ بِهَا جَامِعٌ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَ نَذْرِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْخُرُوجَ لَهَا وَكَانَ فِي الْبَلَدِ جَامِعَانِ فَمَرَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَذَهَبَ إلَى الْآخَرِ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ تُصَلَّى فِيهِ أَوَّلًا لَمْ يَضُرَّهُ أَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ
(وَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِالْحَجِّ وَخَشِيَ فَوْتَهُ قَطَعَ الِاعْتِكَافَ وَلَمْ يَبْنِ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى اعْتِكَافِهِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ ثُمَّ خَرَجَ لِحَجِّهِ
(وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَبَانَ أَنَّهُ انْقَضَى) قَبْلَ نَذْرِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ اعْتِكَافَ شَهْرٍ قَدْ مَضَى مُحَالٌ
(وَإِنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ عَلَى أَنْ يُجَامِعَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ) لِمُنَافَاةِ الْجِمَاعِ لَهُ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَمَهْمَا أَرَدْت جَامَعْت لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ
(كِتَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، لُغَةً: الْقَصْدُ وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ وَالْعُمْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ لُغَةً: الزِّيَارَةُ وَقِيلَ: الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ (وَهُمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (فَرْضٌ) أَيْ مَفْرُوضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَلِقَوْلِهِ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرُوا فَهُوَ أَفْضَلُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» فَضَعِيفٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ قَالَ وَقَوْلُهُ وَأَنْ تَعْتَمِرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَا يُغْنِي عَنْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وَيُفَارِقُ الْغُسْلَ حَيْثُ يُغْنِي عَنْ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَصْلَانِ.
(، وَلَمْ يُفْرَضَا فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُلَّ عَامٍ: فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «عَنْ سُرَاقَةَ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» .
(وَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ (ثُمَّ أَسْلَمَ) فَإِنَّهُ لَا يُفْرَضُ إلَّا مَرَّةً فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ؛ (لِأَنَّهَا) أَيْ الرِّدَّةَ (لَا تُحْبِطُ عَمَلَ مَنْ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْقَطِعُ الْوَلَاءُ (قَوْلُهُ مَا عَدَا زَمَنِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَمُتَابِعُوهُ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْهُ اهـ
(قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ) بِأَنْ قَصَدَهُ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ انْتَظَرَ مَجِيئُهُ
(كِتَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) (قَوْلُهُ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي رِجَالِهِ ابْنَ أَرْطَاةَ وَابْنَ لَهِيعَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ) أَوْ سَأَلَ عَنْ عُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ الْغُسْلَ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا حُطَّ عَنْهُ إلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَخْفِيفًا.
(قَوْلُهُ «لَوَجَبَتْ عَلَيْكُمْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ) وَالْحَجُّ مُطْلَقًا إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ هَاهُنَا أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ أَوْ تَطَوُّعٌ، وَاسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَيْنِ لَا يَتَوَجَّهَانِ إلَيْهِمْ وَبِأَنَّ فِي حَجِّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ جِهَتَيْنِ: جِهَةُ تَطَوُّعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَجِهَةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ مِنْ حَيْثُ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ الْتِزَامُ السُّؤَالِ إذْ لَمْ يَخْلُصْ لَنَا حَجُّ تَطَوُّعٍ عَلَى حِدَتِهِ وَفِي الْأَوَّلِ الْتِزَامُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ ثُمَّ إنَّهُ لَا يَبْعُدُ وُقُوعُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَرْضًا وَيَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. اهـ. يُجَابُ عَنْهُ بِتَصْوِيرِهِ فِي مُكَلَّفِينَ لَمْ يُخَاطَبُوا بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِمْ وَقَدْ أَدَّوْا فَرْضَ الْعَيْنِ ثُمَّ تَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ وَأَتَوْا بِهِ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُحْبِطُ عَمَلَ مَنْ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَا ذُهُولٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى حُبُوطِ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ مُهِمَّةُ غَفَلُوا عَنْهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ مُرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ مَا أُحْبِطَ مِنْ عَمَلِهِ قَبْلَ أَجْرِ عَمَلِهِ لَا إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ فَرْضًا أَدَّاهُ مِنْ صَلَاةٍ، وَلَا صَوْمٍ، وَلَا غَيْرِهِمَا قَبْلَ أَنْ