كَالْأَصْلِ
(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي الْعَدَدِ) أَيْ عَدَدِ شُهُودِ الْفَرْعُ (فَيَكْفِي شَاهِدَانِ عَلَى الْأَصْلَيْنِ مَعًا) لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى قَوْلِ اثْنَيْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى مُقِرَّيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِكُلِّ أَصْلٍ اثْنَانِ وَلَا يَكْفِي لَهُ وَاحِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْعَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ الْحَقُّ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ بَلْ يَثْبُتُ بِهَا شَهَادَةُ الْحَقِّ وَالْحَقُّ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الثَّانِي (وَكَذَا) يَكْفِي شَاهِدَانِ (عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِمَا عُلِمَ وَعَطَفَ عَلَى شَاهِدَانِ قَوْلَهُ (لَا كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْفَرْعَيْنِ (عَلَى أَصْلٍ) بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ وَالْآخَرُ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ الثَّانِي فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْفَرْعَ يُثْبِتُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ (وَالْأَصْلُ شَهِدَ مَعَ فَرْعٍ عَنْ) بِمَعْنَى عَلَى شَهَادَةِ (الْأَصْلِ الثَّانِي) فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ قَامَ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْبَيِّنَةِ لَا يَقُومُ بِالْآخَرِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ
(الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي الْأَدَاءِ) لِشَهَادَةِ الْفَرْعِ (لَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ إلَّا) عِنْدَ تَعَذُّرِ أَوْ تَعَسُّرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ (لِغَيْبَةِ الْأَصْلِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ مَوْتٍ أَوْ عَمًى) لَا تُسْمَعُ مَعَهُ الشَّهَادَةُ (أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ مَشَقَّتُهُ ظَاهِرَةٌ) بِأَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِهِ تَرْكُ الْجُمُعَةِ (وَخَوْفٍ) مِنْ غَرِيمٍ (وَسَائِرِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ) فَلَا تُسْمَعُ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ وَلِهَذَا تُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَلَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَوْتَ الْأَصْلِ وَجُنُونَهُ وَعَمَاهُ لَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لِأَنَّ ذَاكَ فِي بَيَانِ طَرَيَان الْعُذْرِ وَهَذَا فِي الْمُسَوِّغِ لِلشَّهَادَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا ذُكِرَ مِنْ ضَابِطِ الْمَرَضِ هُنَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَهُوَ بَعِيدٌ نَقْلًا وَعَقْلًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ إلْحَاقَهُ سَائِرَ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ بِالْمَرَضِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنْ أَكَلَ مَالَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ عُذِرَ فِي الْجُمُعَةِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ هُنَا بِأَنَّ أَكْلَ شُهُودِ الْأَصْلِ ذَلِكَ يُسَوِّغُ سَمَاعَ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ وَقْفَةٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ (لَا مَا يَعُمُّ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ) مِنْ الْأَعْذَارِ (كَالْمَطَرِ وَالْوَحْلِ الشَّدِيدِ) فَلَا تُسْمَعُ مَعَهُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ كَذَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّ مُشَارَكَةَ غَيْرِهِ لَهُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عُذْرًا فِي حَقِّهِ فَلَوْ تَجَشَّمَ الْفَرْعُ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ وَأَدَّى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَهُوَ حَسَنٌ (وَلَا يُكَلَّفُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ الْحُضُورَ) إلَى الْأَصْلِ (لِيَسْمَعَ) شَهَادَتَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِابْتِذَالِ
(فَصْلٌ تُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْأُصُولِ وَتَعْرِيفُهُمْ) مِنْ الْفَرْعِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ عَدَالَتِهِمْ وَلَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُمْ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي الْعَدَدِ) (قَوْلُهُ فَيَكْفِي شَاهِدَانِ عَلَى الْأَصْلَيْنِ مَعًا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ فِي الْفَرْعِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهَا الْوَاحِدُ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَبِهِ صَرَّحُوا هُنَاكَ فَيُشْتَرَطُ اثْنَانِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَتَحَمَّلَهَا فَرْعٌ وَاحِدٌ وَأَرَادَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ هَذَا الْفَرْعِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَوْ شَهِدَ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فَرْعَانِ جَازَ لَهُ الْحَلِفُ مَعَهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمَا شَهَادَةُ الْأَصْلِ الْوَاحِدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ هُوَ
(قَوْلُهُ الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي الْأَدَاءِ إلَخْ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ وَقَعَ بِمَرْوٍ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَمَلًا وَذَهَبَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَاسْتُحِقَّ وَأَشْهَدَ الْمُشْتَرِي هُنَاكَ لِيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ فَأَفْتَى بِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ اشْتَرَى جَمَلًا صِفَتُهُ كَذَا وَقَبَضَهُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ بِعَيْنَةِ وَقَبَضَهُ مِنْ يَدِهِ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ السَّابِقِ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ الشِّرَاءِ أُشْهِدُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ إنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ صَحِبُوا الْمُشْتَرِيَ وَالْمُشْتَرَى إلَى حَالَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَشَهِدُوا بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ هُوَ الَّذِي أَشْهَدَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِأَنَّهُ هُوَ الْمَبِيعُ مِنْ فُلَانٍ الْبَائِعِ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْحَضَرِ إنْ شَهِدَ شُهُودُ الْفَرْعِ بِأَنَّ عَيْنًا قَدْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ فُلَانٍ بِالْبَيِّنَةِ بِمَشْهَدِنَا وَكَانَ قَدْ أَشْهَدْنَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِأَنَّهُ اشْتَرَى ذَلِكَ مِنْ فُلَانٍ فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا حِينَئِذٍ قَالَ الْقَفَّالُ وَلَيْسَ فِي مَسَائِلِ الشَّرْعِ شَيْءٌ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْفَرْعِ مَعَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ إذْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا تَنْفَعُ وَكَذَا شَهَادَةُ الْأَصْلِ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى التَّصَيُّنِ لَا تُفِيدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ إذًا.
(قَوْلُهُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرٍ أَوْ تَعَسُّرِ الْأَصْلِ) لِأَنَّ الْأَقْوَى فِي بَابِ الشَّهَادَةِ لَا يُتْرَكُ مَعَ إمْكَانِهِ وَشَهَادَةُ الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الْفَرْعِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ نَفْسَ الْحَقِّ وَشَهَادَةُ الْفَرْعِ إنَّمَا تُثْبِتُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ وَالْخَلَلِ يَكْثُرُ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ وَخُذْ مِنْ هَذَا إنَّ فَرْعَ الْفَرْعِ لَا يُقْبَلُ مَعَ حُضُورِ أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ فَرْعٌ لِلْأَصْلِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَسَائِرِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ) لَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ الِاعْتِكَافُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ هُنَا (قَوْلُهُ كَذَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ) لَمْ يَظْهَرْ لِي حَقِيقَةُ مَا أَرَادَهُ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي اسْتَدْرَكَهُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْعُذْرَ الْعَامَّ يَشْمَلُ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ فَكَمَا لَا يُكَلَّفُ الْأَصْلُ الْحُضُورَ مَعَهُ لَا يُكَلَّفُ الْفَرْعُ أَيْضًا الْحُضُورَ فَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْغَزَالِيِّ وَإِمَامِهِ بِذَلِكَ أَنَّا لَا نُكَلِّفُ الْأَصْلَ الْحُضُورَ مَعَ الْعُذْرِ الْعَامِّ كَمَا لَا نُكَلِّفُهُ إيَّاهُ مَعَ الْعُذْرِ الْخَاصِّ وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ يُسْمَحُ لِلْفَرْعِ بِالْحُضُورِ لِلْأَدَاءِ فِي الْمَطَرِ وَالْوَحْلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فَيُقْبَلُ كَمَا يُقْبَلُ عِنْدَ الْعُذْرِ الْخَاصِّ عِنْدَ عَدَمِ بَذْلِ الْأَصْلِ السَّعْيَ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْعُذْرِ وَوُجُودِ فَرْعٍ يُؤَدِّي وَقْتَئِذٍ غ (قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ مُشَارَكَةَ غَيْرِهِ لَهُ لَا تُخْرِجُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَسَنٌ) هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْأُصُولِ) أَفْهَمَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وُجُوبَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ قَاضِيًا وَلَوْ قَالَ أَشْهَدَنِي قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ بَغْدَادَ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَلَيْسَ بِهَا سِوَاهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَفِي سَمَاعِهَا وَجْهَانِ (فَرْعٌ) شَاهِدُ أَصْلٍ وَفَرْعَا أَصْلٍ آخَرَ تُقَدَّمُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ ثُمَّ شَهَادَةُ الْفَرْعِ كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ