الْقَاضِي فِي الْقُرَى إذَا كَانَ الْمَنُوبُ فِيهِ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَنَقْلَهَا دُونَ الْحُكْمِ كَفَاهُ بِشُرُوطِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ (وَلَا يَكْفِي) فِي الْخَلِيفَةِ (فِي) الْأَمْرِ (الْعَامِّ إلَّا أَهْلُ الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ قَاضٍ (وَلَوْ خَالَفَ اعْتِقَادَهُ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْحَنَفِيَّ (إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ) فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ لَمْ يُجْرِ صِيغَةَ شَرْطٍ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ قَلَّدْتُك الْقَضَاءَ فَاحْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ لَا تَحْكُمُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَلَغَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْأَمْرَ شَرْطًا وَتَقْيِيدًا كَمَا لَوْ قَالَ قَلَّدْتُك الْقَضَاءَ فَاقْضِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَفِي يَوْمِ كَذَا وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ (وَإِنْ قَالَ لَا تَحْكُمُ فِي كَذَا فِيمَا يُخَالِفُهُ فِيهِ) كَقَوْلِهِ لَا تَحْكُمُ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ وَالْحُرِّ الْعَبْدَ (جَازَ وَحَكَمَ فِي غَيْرِهِ) مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَادِثِ

(فَإِنْ نَصَّبَ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَخَصَّصَ كُلًّا) مِنْهُمَا (بِطَرَفٍ) مِنْهُ (أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ الْخُصُومَاتِ جَازَ) وَفَارَقَ الْإِمَامُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُهُ بِأَنَّ الْقَاضِيَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا قَطَعَ الْإِمَامُ اخْتِلَافَهُمَا بِخِلَافِ الْإِمَامَيْنِ (وَكَذَا لَوْ) عَمَّمَ وَ (أَثْبَتَ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (اسْتِقْلَالًا) بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ (فَإِنْ شَرَطَ) فِي تَوْلِيَتِهِمَا (إجْمَاعَ حُكْمِهِمَا بَطَلَتْ) ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَكْثُرُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَتَتَعَطَّلُ الْحُكُومَاتُ (وَلَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ اسْتِقْلَالَهُمَا وَلَا اجْتِمَاعَهُمَا (حُمِلَ عَلَى) إثْبَاتِ (الِاسْتِقْلَالِ) تَنْزِيلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى مَا يَجُوزُ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْوَصِيَّيْنِ بِأَنَّ نَصْبَهُمَا بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ جَائِزٌ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَاضِيَيْنِ (فَإِنْ طَلَبَا) أَيْ الْقَاضِيَانِ (خَصْمًا) بِطَلَبِ خَصْمَيْهِ لَهُ مِنْهُمَا (أَجَابَ السَّابِقَ) مِنْهُمَا بِالطَّلَبِ (وَإِلَّا) بِأَنْ طَلَبَاهُ مَعًا (أَقْرَعَ) بَيْنَهُمَا (وَإِنْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِيَيْنِ أُجِيبَ الطَّالِبُ) لِلْحَقِّ دُونَ الْمَطْلُوبِ بِهِ وَقِيلَ يُقْرِعُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ (فَإِنْ تَسَاوَيَا) بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَالِبًا وَمَطْلُوبًا كَتَحَاكُمِهِمَا فِي قِسْمَةِ مِلْكٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ صَدَاقٍ اخْتِلَافًا يُوجِبُ تَحَالُفَهُمَا (فَأَقْرَبُ الْقَاضِيَيْنِ) إلَيْهِمَا يَتَحَاكَمَانِ عِنْدَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ (فَالْقُرْعَةُ) يَعْمَلُ بِهَا (لَا الْإِعْرَاضُ عَنْهُمَا) حَتَّى يَصْطَلِحَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طُولِ التَّنَازُعِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَصْبُ أَكْثَرَ مِنْ قَاضِيَيْنِ بِبَلَدٍ كَنَصْبِ قَاضِيَيْنِ مَا لَمْ يَكْثُرُوا كَذَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي الْمَطْلَبِ يَجُوزُ أَنْ يُنَاطَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ

(فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قَلَّدَهُ بَلَدًا وَسَكَتَ عَنْ ضَوَاحِيهَا فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِإِفْرَادِهَا عَنْهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي وِلَايَتِهِ، وَإِنْ جَرَى بِإِضَافَتِهَا دَخَلَتْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ رَوْعِي أَكْثَرُهُمَا عُرْفًا فَإِنْ اسْتَوَيَا رَوْعِي أَقْرَبُهُمَا عَهْدًا

(فَصْلٌ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ) مِنْ اثْنَيْنِ لِرَجُلٍ غَيْرِ قَاضٍ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ تَحَاكَمَا إلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي لَا وَيَكُونُ بَاقِي الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ يَقْتَضِي صِحَّةَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا الْمَقْرُونَةِ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ الصِّحَّةِ مَعَ النَّهْيِ وَعَلَيْهِمَا يَتَخَرَّجُ تَدْرِيسُ مَدْرَسَتَيْنِ بِبَلَدَيْنِ وَكَانَ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ عَسَاكِرَ يُدَرِّسُ بِالْبُعُونَةِ وَغَيْرِهَا بِدِمَشْقَ وَيُدَرِّسُ بِالصَّلَاحِيَّةِ بِالْقُدْسِ يُقِيمُ بِهِ أَشْهُرًا وَبِدِمَشْقَ أَشْهُرًا، وَهَذَا مَعَ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ لَا؛ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِأَجْلِ الْحُضُورِ فِي الْآخَرِ لَيْسَتْ بِعُذْرٍ (قَوْلُهُ وَلَغَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ قَلَّدْتُك الْقَضَاءَ فَاقْضِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَفِي يَوْمِ كَذَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ قُلِّدَ الْقَاضِي جَمِيعَ الْبَلَدِ لِيَنْظُرَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ أَوْ فِي مَحَلَّةٍ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ وَيَبْطُلُ التَّقْلِيدُ إنْ كَانَ شَرْطًا، وَإِنْ كَانَ آمِرًا بَطَلَ الْأَمْرُ. اهـ. ع

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَا تَحْكُمُ فِي كَذَا إلَخْ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا عَلَى غَائِبٍ صَحَّتْ التَّوْلِيَةُ وَلَغَا الشَّرْطُ فَيَقْضِي بِاجْتِهَادِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُرَاعِيَ الشَّرْطَ هُنَاكَ قَالَ شَيْخُنَا لَكِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ كَالْمَعْزُولِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مُوَلَّى فِي غَيْرِهِ

(قَوْلُهُ كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ) ؛ وَلِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا حَاكِمَيْنِ إلَى الْيَمَنِ وَأَرْدَفَهُمَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» (قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ اجْتِمَاعَ حُكْمِهِمَا بَطَلَتْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْحُكْمِ التَّنْجِيزِيِّ فَإِنْ شَرَطَهُ أَنَّهُ مَتَى حَكَمَ أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْآخَرِ تَنْفِيذُهُ جَازَ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَيُقْطَعُ بِالْجَوَازِ وَأَنْ يَكُونَا مِنْ الْمُجْتَهِدَيْنِ أَمَّا الْمُقَلِّدَانِ لِإِمَامٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا عَمَّ وِلَايَتَهُمَا، وَأَمَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعًا الْحُكْمَ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى حُكْمٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَرْفَعَانِهَا إلَى مَنْ وَلَّاهُمَا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ الْمُوصِي أُوصِي إلَى مَنْ شِئْت أَوْ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَا عَنْك فَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى كَوْنِهِ عَنْ الْوَصِيِّ حَتَّى لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَنْزِلْ الْمُطْلَقُ عَلَى مَا يَجُوزُ قُلْت وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَصْلَ مِنْهُ وِصَايَةُ الْوَصِيِّ إلَّا إنْ صَرَّحَ الْمُوصِي بِأَنْ وَصَّى عَنْهُ بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ إرَادَةُ الِاسْتِقْلَالِ ع (قَوْلُهُ، وَإِنْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِيَيْنِ أُجِيبَ طَالِبُ) تَنَازَعَ خَصْمَانِ فِي الْحُضُورِ إلَى الْأَصْلِ وَالنَّائِبِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرَّفْعَ إلَى الْأَصْلِ وَالْآخَرُ إلَى النَّائِبِ قَالَ فِي الْحَاوِي إنْ كَانَ الْقَاضِي يَوْمَ التَّرَافُعِ نَاظِرًا فَالدَّعْوَى إلَيْهِ أَوْلَى بِالْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ نَائِبَهُ فَالدَّاعِي إلَيْهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعْجَلُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ يُجَابُ الدَّاعِي إلَى الْأَصْلِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَنَصْبُ أَكْثَرَ مِنْ قَاضِيَيْنِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَذَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَحُدَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ بِشَيْءٍ وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ ارْتِبَاطُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ

(قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قَلَّدَهُ بَلَدًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[فَصْلٌ التَّحْكِيمُ مِنْ اثْنَيْنِ لِرَجُلٍ غَيْرِ قَاضٍ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015