اللَّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ (أَوْ آوَوْا عَيْنًا) عَلَيْهِمْ أَوْ قَتَلُوا مُسْلِمًا (أَوْ تَجَسَّسُوا) كَأَنْ كَاتَبُوا أَهْلَ الْحَرْبِ (جَمِيعًا) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (أَوْ) فَعَلَ (بَعْضُهُمْ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عَنْهُ انْتَقَضَ) الْعَهْدُ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ نَقْضًا) وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِنَقْضِهِ لِإِتْيَانِهِمْ بِمَا يَخِلُّ بِالْعَقْدِ (وَبَيَّتُوا فِي بِلَادِهِمْ بِلَا إنْذَارٍ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ نَاقِضًا لِآيَةِ {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12] وَلِصَيْرُورَتِهِمْ حِينَئِذٍ كَمَا كَانُوا قَبْلَ الْمُهَادَنَةِ (وَالنَّازِلُ بِنَا) أَيْ بِدَارِنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ (نَبْلُغُهُ الْمَأْمَنَ) وَلَا نَغْتَالُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ الْمَأْمَنَ (فَإِنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ الْبَاقُونَ) فِيمَا مَرَّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِأَنْ اعْتَزَلُوهُمْ أَوْ بَعَثُوا إلَى الْإِمَامِ بِأَنَّا مُقِيمُونَ عَلَى الْعَهْدِ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَتْبَاعًا ثُمَّ (نَظَرْت فَإِنْ تَمَيَّزُوا عَنْهُمْ بَيَّتْنَاهُمْ) أَيْ مُنْتَقَضِي الْعَهْدَ (وَإِلَّا أَنْذَرْنَاهُمْ) أَيْ الْبَاقِينَ (لِيَتَمَيَّزُوا) عَنْهُمْ (أَوْ يُسْلِمُوهُمْ إلَيْنَا فَإِنْ أَبَوْا) ذَلِكَ (مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (فَنَاقِضُونَ) لِلْعَهْدِ (بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ) فَنَقْضُهُ مِنْ الْبَعْضِ لَيْسَ نَقْضًا مِنْ الْبَاقِينَ بِحَالٍ لِقُوَّتِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ النَّقْضِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَلَوْ) أَيْ وَكُلُّ مَا (اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا فِي الْجِزْيَةِ نُقِضَ هُنَا قَطْعًا) لِضَعْفِ هَذَا وَقُوَّةِ ذَاكَ وَتَأَكُّدِهِ بِالْجِزْيَةِ
(فَرْعٌ لَوْ اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ خِيَانَتَهُمْ بِأَمَارَاتٍ) تَدُلُّ عَلَيْهَا (لَا) بِمُجَرَّدِ (تَوَهُّمٍ لَمْ يُنْتَقَضْ) عَهْدُهُمْ (بَلْ يُنْبَذُ) إلَيْهِمْ جَوَازًا (الْعَهْدُ) قَالَ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} [الأنفال: 58] بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُنْبَذُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُؤَبَّدٌ؛ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا فِي قَبْضَتِنَا فَيَسْهُلُ التَّدَارُكُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ جَانِبُهُمْ وَلِهَذَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ وَجَرَوْا فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي عَلَى الْغَالِبِ مِنْ كَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِبِلَادِنَا وَأَهْلِ الْهُدْنَةِ بِبِلَادِهِمْ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي جَوَازِ النَّبْذِ بِالْخَوْفِ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيُنْذِرُهُمْ) بَعْدَ نَبْذِ عَهْدِهِمْ (وَيَبْلُغُهُمْ مَأْمَنَهُمْ) قَبْلَ قِتَالِهِمْ إنْ كَانُوا بِدَارِنَا وَفَاءً بِالْعَهْدِ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ قَبْلَ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ مَأْمَنُهُمْ (دَارُ الْحَرْبِ) وَتَبْلِيغُهُمْ إيَّاهُ يَكُونُ (بِالْكَفِّ) لِلْأَذَى مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (عَنْهُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مِنْهُمْ) إنْ كَانَ
(فَرْعٌ) يَجِبُ عَلَى الَّذِينَ هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ الْكَفُّ عَنْ قَبِيحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلُ فِي حَقِّنَا وَبَذْلُ الْجَمِيلِ مِنْهُمَا فَلَوْ (نَقَصُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكَرَامَةِ) لَهُمْ (أَوْ الْإِمَامَ مِنْ التَّعْظِيمِ) لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانُوا يُكْرِمُونَهُمْ وَيُعَظِّمُونَهُ (سَأَلَهُمْ) عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا حُجَّةً) أَيْ عُذْرًا (وَلَمْ يَنْتَهُوا نَقَضَ الْعَهْدَ وَأَنْذَرَهُمْ) قَبْلَ نَقْضِهِ، وَإِنْ أَقَامُوا عُذْرًا يُقْبَلُ مِثْلُهُ قِبَلَهُ
(فَصْلٌ) لَوْ (صَالَحَ) الْإِمَامُ الْكُفَّارَ أَيْ هَادَنَهُمْ (بِشَرْطِ رَدِّ مَنْ جَاءَ) نَا (مِنْهُمْ مُسْلِمًا صَحَّ) فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] (وَلَمْ يَجُزْ) بِذَلِكَ (رَدُّ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ) إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تَزَوَّجَ بِكَافِرٍ؛ وَلِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْهَرَبِ مِنْهُمْ وَأَقْرَبُ إلَى الِافْتِتَانِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ (فَإِنْ صَرَّحَ بِشَرْطِ رَدِّهَا لَمْ يَصِحَّ) لِذَلِكَ (وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ) لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ (فَإِنْ جَاءَتْ) إلَيْنَا (مُسْلِمَةً) أَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَجِيئِهَا (وَطَالَبَ الزَّوْجُ بِمَهْرِهَا) لِارْتِفَاعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ قَتَلُوا مُسْلِمًا) أَيْ ذِمِّيًّا وَكَتَبَ أَيْضًا إذَا كَانَ عَمْدًا مَحْضًا أَوْ عُدْوَانًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَا خَطَأً وَدَفْعًا لِصَائِلٍ أَوْ قَاطِعٍ غ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا أَطْلَقَهُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَوْضِعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِشُبْهَةٍ أَمَّا لَوْ أَعَانُوا الْبُغَاةَ مُكْرَهِينَ فَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُنْتَقَضَ كَمَا سَبَقَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ لِإِتْيَانِهِمْ بِمَا يُخِلُّ بِالْعَقْدِ) «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا هَادَنَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَعَانَ بَعْضُهُمْ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى حَرْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَنْدَقِ فَنَقَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدَ جَمِيعِهِمْ وَغَزَاهُمْ» وَكَذَلِكَ لَمَّا قَتَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ وَهُمْ حُلَفَاءُ قُرَيْشٍ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ وَهُمْ حُلَفَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوَى بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ الْقَاتِلَ وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ غَزَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَتَحَ مَكَّةَ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ يَتِمُّ بِعَقْدِ بَعْضِهِمْ وَرِضَا الْبَاقِينَ وَيَكُونُ السُّكُونُ رِضًا بِذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ مِثْلَهُ (قَوْلُهُ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَتْبَاعًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: 165]
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ أَمَانٌ فَنُقِضَتْ بِالْخَوْفِ؛ وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ أَقْوَى بِدَلِيلِ تَأْبِيدِهَا (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي جَوَازِ النَّبْذِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ نَقْضَ الْإِمَامِ لَا يَنْفُذُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ وَظُهُورِ الْأَمَارَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ وَكَلَامُ الْحَاوِي صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ) فَقَالَ، وَهُوَ عَجِيبٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ، وَهُوَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ بِنَقْضِهِ أَيْ يَقْوَى عِنْدَهُ الْحُكْمُ بِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْ وَغَيْرُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ وَظُهُورِ الْأَمَارَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ وَكَلَامُ الْحَاوِي صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيُبَلِّغُهُمْ مَأْمَنَهُمْ) لَوْ كَانَ لَهُ مَأْمَنٌ لَزِمَ الْإِمَامَ إلْحَاقُهُ بِمَسْكَنِهِ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ بَلَدَيْنِ تَخَيَّرَ الْإِمَامُ
(قَوْلُهُ لَوْ صَالَحَ بِشَرْطِ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا صَحَّ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ وَتَمْنَعُهُ وَضَابِطُهُ كُلُّ مَنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ جَازَ شَرْطُ رَدِّهِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ بِذَلِكَ رَدُّ الْمَرْأَةِ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شَرَطَ جَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ فَجَاءَ أَخَوَاهَا عُمَارَةُ وَالْوَلِيدُ فِي طَلَبِهَا وَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ مُسْلِمَةً فَجَاءَ زَوْجُهَا فِي طَلَبِهَا وَجَاءَتْ سُعْدَى زَوْجَةُ صَيْفِيِّ بْنِ إبْرَاهِيم بِمَكَّةَ فَجَاءَ فِي طَلَبِهَا وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قَدْ شَرَطْت لَنَا رَدَّ النِّسَاءِ فَارْدُدْ عَلَيْنَا نِسَاءَنَا فَتَوَقَّفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَقِّعًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى نَزَلَ {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فَامْتَنَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَدِّهِنَّ» (قَوْلُهُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ