لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ لَهُ حَيًّا (مَا لَمْ يَتَهَرَّ) أَيْ يَتَقَطَّعْ فَإِنْ تَهَرَّى تُرِكَ
(وَلَا يُنْقَلُ الْمَرِيضُ مِنْ الْحِجَازِ) ، وَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ (إلَّا مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ) فَيُنْقَلُ مِنْهُ، وَإِنْ خِيفَ مِنْ النَّقْلِ مَوْتُهُ (وَلَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ) فِيمَا ذَكَرَ (حَرَمُ الْمَدِينَةِ) لِمَا مَرَّ (لَكِنْ يُسْتَحَبُّ) إلْحَاقُهُ بِهِ فِيهِ
(وَلَا يُدْفَنُ) الْكَافِرُ (فِي الْحِجَازِ إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ) وَإِلَّا دُفِنَ فِيهِ (فَلَوْ دُفِنَ) فِيهِ (لَمْ يُنْبَشْ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَعَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَرْفَعَ نَفْسَ قَبْرِهِ
(وَلَا يَدْخُلُ حَرْبِيٌّ سَائِرَ الْبِلَادِ) أَيْ بَاقِيهَا (إلَّا بِإِذْنٍ) فَيَجُوزُ دُخُولُهُ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُ الْكَافِرِ فِيهِ بِالْجِزْيَةِ (وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ) أَيْ لِلْحَرْبِيِّ فِي دُخُولِهِ لَهُ (إلَّا) لِحَاجَةٍ كَمَا فُهِمْت بِالْأَوْلَى أَوْ (لِمَصْلَحَةٍ) لَنَا (كَرِسَالَةٍ وَتِجَارَةٍ) وَعَقْدِ ذِمَّةٍ أَوْ هُدْنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدْخُلَ لِتَجَسُّسٍ أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَسَادٌ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ فِي الْأَمَانِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنَفْيِ الْمَضَرَّةِ لَا بِوُجُودِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ هُنَا إنَّمَا هُوَ لِدُخُولِهِمْ بِلَادِنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ (وَيَقِفُ) أَيْ يَمْكُثُ إذَا دَخَلَ لِمَا ذَكَرَ (بِقَدْرٍ لِحَاجَةٍ وَلَا يَدْخُلُ مَسَاجِدَهَا) أَيْ بَقِيَّةَ الْبِلَادِ (إلَّا بِإِذْنٍ وَيَأْذَنُ لَهُ الْآحَادُ) كَالْإِمَامِ (وَلَوْ فِي دُخُولِهِ الْجَامِعِ لِحَاجَةِ مُسْلِمٍ أَوْ حَاجَتِهِ) هُوَ (إلَيْهِ وَلِسَمَاعِ قُرْآنٍ) وَحَدِيثٍ وَعِلْمٍ (لَا أَكْلٍ) وَشُرْبٍ (وَنَوْمٍ وَيُعَزَّرُ إنْ دَخَلَ) مَسْجِدًا (بِلَا إذْنٍ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِلَا إذْنٍ (أَوْ جَاهِلًا فَلَا) يُعَزَّرُ لِعُذْرِهِ (وَيُعَرَّفُ) الْحُكْمَ (وَجُلُوسُ الْقَاضِي فِيهِ إذْنٌ لِلْكَافِرِ الْمُخَاصَمِ) فِي الدُّخُولِ (وَلِلْإِمَامِ إنْزَالُ وَفْدِهِمْ) أَيْ الْقَادِمِينَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَيْنَا (بِمَسْجِدٍ وَلَوْ) كَانَ الْوَافِدُ (جُنُبًا لَا حَائِضًا تُلَوِّثُ) الْمَسْجِدَ (وَلَا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا) غَيْرَ مُمَيِّزَيْنِ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ عَنْ الْقَاذُورَاتِ الْحَاصِلَةِ فِيهِ بِذَلِكَ (وَغَيْرُ الْمَسْجِدِ أَوْلَى) بِالْإِنْزَالِ فِيهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عُلِمَ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ (وَلَوْ سَأَلَ مَنْ لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ تَعْلِيمَ الْعِلْمِ مُنِعَ) مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ كَمَا فِي تَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ (وَلَوْ عِلْمَ نَحْوًا أَوْ شِعْرًا) أَوْ نَحْوَهُمَا (جَازَ) ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ (وَلَا يُمَكَّنُ) إذَا دَخَلَ لِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ (مِنْ إظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) وَلَا يَأْذَنُ لَهُ الْإِمَامُ فِي حَمْلِ شَيْءٍ مِنْهُمَا إلَى دَارِنَا
(الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْمَالُ وَأَقَلُّهُ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ أَوْ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَ بِهِ جَازَ أَنْ يُعْتَاضَ عَنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ
(وَتُسْتَحَبُّ الْمُمَاكَسَةُ) أَيْ الْمُشَاحَةُ مَعَ الْكَافِرِ الْعَاقِلِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَيُسَنُّ أَنْ يُفَاوَتَ بَيْنَهُمْ (فَيَعْقِدُ لِلْغَنِيِّ بِأَرْبَعَةٍ وَالْمُتَوَسِّطِ بِدِينَارَيْنِ) وَالْفَقِيرِ بِدِينَارٍ (فَإِنْ أَبَى) عَقْدَهَا (إلَّا بِدِينَارٍ أُجِيبَ) ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ وَالْمُمَاكَسَةُ كَمَا تَكُونُ فِي الْعَقْدِ تَكُونُ فِي الْأَخْذِ بَلْ الْأَصْحَابُ إنَّمَا صَدَّرُوا بِهِ فِي الْأَخْذِ فَقَالُوا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْمُمَاكَسَةُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يُنْقَلُ الْمَرِيضُ مِنْ الْحِجَازِ) عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ، وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ تُرِكَ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ لَا إنْ مَرِضَ وَشَقَّ نَقْلُهُ (قَوْلُهُ فَيُنْقَلُ مِنْهُ) ، وَإِنْ خِيفَ مِنْ النَّقْلِ مَوْتُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحِجَازِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ مِنْهُ إنْ شَقَّ نَقْلُهُ أَوْ خِيفَ مَوْتُهُ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ
(قَوْلُهُ وَإِلَّا دُفِنَ فِيهِ) مَحَلُّهُ فِي الذِّمِّيِّ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يَجِبُ دَفْنُهُ بَلْ فِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ
(قَوْلُهُ وَيَأْذَنُ لَهُ الْآحَادُ) شَرْطُ الْإِذْنِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَفِي الْكَافِي أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ عَدَمَ الدُّخُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَجُلُوسُ الْقَاضِي فِيهِ إذْنٌ لِلْكَافِرِ الْمُخَاصِمِ) قُعُودُ الْمُفْتِي فِيهِ لِلِاسْتِفْتَاءِ كَذَلِكَ
[الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْمَالُ]
(قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ دِينَارٌ) وَأَكْثَرُهُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّرَاضِي فَجَازَ بِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ كَالْبَيْعِ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ إلَخْ) قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِمَا أُرِيدَ بِالْجِزْيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] قَالَ وَلَا نَعْلَمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَحَدًا عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالْمُتَوَسِّطُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الدِّينَارَ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِحَقْنِ الدَّمِ أَوْ لِسُكْنَى الدَّارِ أَوْ لِلْمَجْمُوعِ وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالْمُتَوَسِّطُ يَسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَوَوْا فِي مُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ) وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ الرَّاجِحُ
(قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ الْمُمَاكَسَةُ) ، وَإِنْ عَلِمُوا جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الدِّينَارِ (قَوْلُهُ بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إلَخْ) فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَاقِدِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْعَقْدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا دَانِقًا، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا عَقَدَ لَهُمْ الْعَقْدَ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ الْأُمِّ وَقَوْلُهُ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَتُعْقَدُ لِلْغَنِيِّ بِأَرْبَعَةٍ وَالْمُتَوَسِّطِ بِدِينَارَيْنِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَذْكُرُوا ضَابِطَ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ يُحْتَمَلُ كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَيُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ اهـ وَالْأَقْرَبُ ضَبْطُهُمَا بِمَا فِي الْعَاقِلَةِ (قَوْلُهُ بَلْ الْأَصْحَابُ إنَّمَا صَدَّرُوا بِهِ فِي الْأَخْذِ فَقَالُوا إلَخْ) الْمُمَاكَسَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ لَهُمْ بِشَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَعْقِدَ لِلْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ بِمَا ذَكَرَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا ذَلِكَ لَكِنْ لَهَا حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ عُلِمَ غِنَاهُ أَوْ تَوَسُّطُهُ بِمَا ذَكَرَ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَيَعْقِدُ لِلْغَنِيِّ إلَى آخِرِهِ ثَانِيهِمَا أَنْ يَعْقِدَ عَلَى صِفَةِ الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَالتَّوَسُّطِ وَتَغْيِيرِ حَالِ الْآخِذِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ وَأَطْلَقَ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ إلَى آخِرِهِ فَقَدْ قَالُوا هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ لَهُمْ الْعَقْدُ