الْغَانِمِينَ وَالْوَجْهُ مَا قَدَّمَهُ ثَمَّ وَجَرَى عَلَيْهِمْ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ لَا قَبْلَهُ وَقَالَ بَدَلَ اُسْتُرِقَّ اسْتَمَرَّ رِقُّهُ لَوَافَقَ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ) لَوْ (صَالَحَ زَعِيمٌ) لِقَلْعَةٍ أَيْ سَيِّدُ أَهْلِهَا (عَلَى أَمَانِ مِائَةٍ) مِنْهُمْ (فَعَدَّ مِائَةً غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ نَفْسِهِ (جَازَ) لِلْإِمَامِ (قَتْلُهُ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمِائَةِ، وَقَدْ اتَّفَقَ مِثْلُهُ ذَلِكَ فِي مُحَاصَرَةٍ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَحَّحَ الْأَمَانَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ جُهِلَتْ أَعْيَانُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(فَصْلٌ فِيهِ مَسَائِلُ) تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ السِّيَرِ (يَسْقُطُ) عَنْ الْكَافِرِ (بِالْإِسْلَامِ) أَيْ إسْلَامِهِ (حَدُّ الزِّنَا) الَّذِي لَزِمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] مَعَ كَوْنِ الْحَقِّ لَهُ تَعَالَى (لَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَظِهَارٍ وَقَتْلٍ) فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ كَالدَّيْنِ.
(وَعَلَيْهِ) بَعْدَ إسْلَامِهِ (رَدُّ مَالِ الْمُسْلِمِ) الَّذِي كَانَ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَإِنْ أَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ (فَإِنْ غَنِمَ) بِأَنْ غَنِمْنَاهُ وَلَوْ (مَعَ أَمْوَالِهِمْ رَدٌّ) لِمَالِكِهِ (وَإِنْ خَرَجَ لِوَاحِدٍ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ وَ (غَرِمَ لَهُ) الْإِمَامُ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) بَدَلَهُ (فَإِنْ فُقِدَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ مَا هُوَ أَهَمُّ أَوْ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ الظَّلَمَةُ (نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ) .
(فَإِنْ اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ جَارِيَةَ مُسْلِمٍ) ثُمَّ (وَقَعَتْ فِي الْمَغْنَمِ أَخَذَهَا وَوَلَدَهَا) مَالِكُهَا وَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ أَخَذَ مَالِكُهَا مِنْهُ مَعَهَا الْمَهْرَ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَ انْعِقَادِهِ حُرًّا بِشُبْهَةٍ (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ مَالِكَهَا إذَا أَخَذَهَا (اسْتِبْرَاؤُهَا) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا (بَلْ يُسْتَحَبُّ) .
(وَإِنْ نَكَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمَةً) أَوْ أَصَابَهَا بِلَا نِكَاحٍ فَأَوْلَدَهَا (ثُمَّ ظَفِرْنَا بِهِمْ لَمْ يَرِقَّ الْوَلَدُ) كَأُمِّهِ (لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ) تَبَعًا لَهَا (وَيَلْحَقُ النَّاكِحُ) أَوْ الْمُصِيبُ (لِلشُّبْهَةِ) .
(وَيُصَدَّقُ) بِيَمِينِهِ (فِي دَعْوَى الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ لِدَفْعِ رِقِّ أَسِيرِ غَيْرِ) أَيْ أَسِيرٌ وُجِدَ بِغَيْرِ (دَارِ الْحَرْبِ) بِخِلَافِ أَسِيرٍ وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ.
(وَإِنْ غَنِمْنَا رَقِيقًا مُسْلِمًا اشْتَرَاهُ) كَافِرٌ (مُسْتَأْمَنٌ) أَوْ غَيْرُهُ (مِنْ مُسْلِمٍ رَدَّ لِبَائِعِهِ وَرَدَّ) بَائِعُهُ (الثَّمَنَ لِلْمُسْتَأْمَنِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ.
(فَرْعٌ) فِدَاءُ الْأَسِيرِ مُسْتَحَبٌّ لِلْآحَادِ فَلَوْ (قَالَ) شَخْصٌ (لِلْكَافِرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَسِيرِ أَطْلِقْهُ وَ) لَك (عَلَيَّ أَلْفٌ) مَثَلًا فَأَطْلَقَهُ (لَزِمَهُ) الْأَلْفُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك بِكَذَا فَفَعَلَ (وَلَا رُجُوعَ) لَهُ عَلَيْهِ بِهِ (أَوْ) قَالَ لَهُ ذَلِكَ (بِإِذْنِهِ) فَأَطْلَقَهُ (فَلَهُ الرُّجُوعُ) عَلَيْهِ بِهِ إذَا غَرِمَهُ (وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) أَيْ الرُّجُوعَ كَقَوْلِ الْمَدِينِ لِغَيْرِهِ اقْضِ دَيْنِي.
(فَلَوْ قَالَ الْأَسِيرُ لِلْكَافِرِ أَطْلِقْنِي بِكَذَا أَوْ قَالَ لَهُ الْكَافِرُ افْتَدِ نَفْسَك بِكَذَا فَقَبِلَ لَزِمَهُ) مَا اُلْتُزِمَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ لَهُمْ مَالًا لِيُطْلِقُوهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَمِنْ أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا لَهُ: خُذْ هَذَا وَابْعَثْ لَنَا كَذَا مِنْ الْمَالِ فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا كَذَلِكَ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْأُولَى صُورَتُهُ أَنْ يُعَاقِدَهُ عَلَى أَنْ يُطْلِقَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَالًا كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الدَّارِمِيُّ وَهُنَا عَاقَدَهُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ عَيْنًا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا عَقْدَ فِيهَا الْحَقِيقَةُ.
(وَلَوْ غَنِمَهُ) أَيْ مَا فَدَى بِهِ الْأَسِيرُ (الْمُسْلِمُونَ رُدَّ لِلْمُفَادِي) وَلَا يَكُونُ غَنِيمَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ.
(وَإِنْ أَسَرُوا مُسْلِمَةً وَأَمْكَنَ أَحَدًا تَخْلِيصُهَا لَزِمَهُ) وَمِثْلُهَا الْمُسْلِمُ كَمَا عُلِمَ مِنْ أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي مَعْنَاهَا مَنْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا الْمُسْلِمُ ثَمَّ أَوْ أَسْلَمَتْ بِنَفْسِهَا وَطَلَبَتْ إنْجَاءَ نَفْسِهَا مِنْهُمْ.
(وَإِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ) حَرْبِيٍّ (مُسْتَأْمَنٍ وَأَمَانَةِ مُخْتَصٍّ بِبَلَدٍ بَلَغَ مَأْمَنَهُ أَوْ) وَأَمَانَةِ (عَامٍّ) فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ (لَمْ يَجِبْ تَبْلِيغُهُ) مَأْمَنَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ مِنْ بِلَادِنَا بِبِلَادِهِمْ مِنْ مَحَلِّ أَمَانَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُدَّةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِ الْأَمَانِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْوَجْهُ مَا قَدَّمَهُ ثُمَّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ وَقَالَ إلَخْ) هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ اسْتَرَقَّ اسْتَمَرَّ رَقِيقًا فَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ اسْتَرَقَّ مَمْلُوكَهُ وَأَرَقَّهُ نَقِيضُ أَعْتَقَهُ
(قَوْلُهُ: لَوْ صَالَحَ زَعِيمٌ عَلَى أَمَانِ مِائَةٍ إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الزَّعِيمَ إنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بَلْ يَرِقُّ وَإِنْ كَانَ كَامِلًا تَخَيَّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بِالْمَالِ وَالرِّجَالِ
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ» قُلْت لَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ وَقَدْ قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ كَانَ زَنَى فَهَلْ يُحَدُّ عَلَى وَجْهَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي ذِكْرِ مَا يَكْتُبُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ عَلَى الْجِزْيَةِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ رِجَالِهِمْ أَصَابَ مُسْلِمَةً بِزِنًا أَوْ اسْمَ نِكَاحٍ وَعَدَّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَى أَنْ قَالَ أَيُّهُمْ قَالَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْته كَانَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا وَكَذَا إنْ كَانَ فِعْلًا لَمْ يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فَيُقْتَلُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَا نَقْضِ عَهْدٍ اهـ وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ إسْلَامَهُ لَا يَعْصِمُهُ مِنْ الْحَدِّ الْوَاقِعِ فِي كُفْرِهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَشِبْهَهُ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ فَاعْلَمْهُ غ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ فِي الْأُصُولِ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَكْلِيفِ الْكَافِرَةِ بِالْفُرُوعِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَهُ فِي الْأَشْرَافِ فَقَدْ رَاجَعْت كَلَامَ ابْنِ الْمُنْذِرِ فَوَجَدْته نَسَبَهُ لِقَوْلِهِ إذْ هُوَ بِالْعِرَاقِ فَهُوَ قَدِيمٌ قَطْعًا ونَصُّ الْأُمِّ جَدِيدٌ فَتَخَرَّجَ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَإِنَّ أَصَحَّهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا قَالَ فِي الْإِسْعَادِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ بَعْثِ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا عَقْدَ فِيهَا فِي الْحَقِيقَةِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُعَاقَدَةَ الْمَذْكُورَةَ تَقْتَضِي عِوَضًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَوْ صَحَّتْ لَمَلَكَ الْأَسِيرُ نَفْسَهُ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَإِنَّ الْفِدَاءَ إنَّمَا يَقْتَضِي حُصُولَ غَرَضٍ لِمُلْتَزِمِهِ لَا حُصُولَ مِلْكٍ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقْ زَوْجَتَك بِكَذَا أَوْ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك بِكَذَا فَفَعَلَ صَحَّ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ
(قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ