وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ، وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ، وَالرِّجْلُ قِيلَ لِلْمَالِ، وَالْمُجَاهَرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ وَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَهُ الْقَوَدُ فِي رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَدِيَتُهَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نَصٌّ تُوجِبُ مُخَالَفَتُهُ الضَّمَانَ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي الْإِسَاءَةِ وَأَمَّا إيجَابُ الْقَوَدِ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى فَفِيهِ وَقْفَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ فِي السَّرِقَةِ يَدَهُ الْيُسْرَى فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَامِدًا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى عَلَيْهَا بِالِاجْتِهَادِ أَيْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى ثَمَّ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالنَّصِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قُرِئَ شَاذًّا فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ وَعَلَى عَدَمِ دَعْوَى التَّمَلُّكِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ السَّرِقَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُحْسَمُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ كَمَا فِي السَّارِقِ وَيَجُوزُ أَنْ تُحْسَمَ الْيَدُ ثُمَّ تُقْطَعَ الرِّجْلُ وَأَنْ يُقْطَعَا جَمِيعًا ثُمَّ يُحْسَمَا (وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا انْحَتَمَ) أَيْ وَجَبَ (قَتْلُهُ) لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى جِنَايَتِهِ إخَافَةَ السَّبِيلِ الْمُقْتَضِيَةَ زِيَادَةَ الْعُقُوبَةِ وَلَا زِيَادَةَ هُنَا لَا تُحَتِّمُ الْقَتْلَ فَلَا يَسْقُطُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَمَحَلُّ انْحِتَامِهِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَتَّمُ (وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا وَقَتَلَ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ) حَتْمًا زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ وَيَكُونُ صَلْبُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ.
وَالْغَرَضُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ التَّنْكِيلُ بِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ الْمَعْنَى أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 135] أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى إذْ لَمْ يُخَيِّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَالصَّلْبُ (أَوْ قُتِلَ بِقِصَاصٍ مِنْ غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ سَقَطَ الصَّلْبُ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَتْلِ فَسَقَطَ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهِ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ، وَالصَّلْبَ مَشْرُوعَانِ وَقَدْ تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا فَوَجَبَ الْآخَرُ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَالْمُحَارِبُ) وَهُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَالصَّلْبُ (يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ) فَلَا يُعْكَسُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا وَقَدْ «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ» وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَإِذَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِذَكَرِهِ أَوَّلًا وَيُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا (ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ لِيَشْتَهِرَ الْحَالُ وَيَتِمَّ النَّكَالُ وَلِأَنَّ لَهَا اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا غَايَةٌ (فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ)
(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ) وَهِيَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ، وَالْيَدِ (وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ) مِنْ الْقَاطِعِ (قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ) ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ يَجِبُ بِأَخْذِ الْمَالِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ النِّصَابُ كَالسَّرِقَةِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَلَمْ يُفَصِّلْ (قَوْلُهُ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ) وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَفِي الْأُمُّ مَا يَقْتَضِيهِ اهـ وَلَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَالِاسْتِذْكَارِ لِلدَّارِمِيِّ فَلَوْ ظَنَّهُ مِلْكَهُ أَوْ ادَّعَاهُ فَلَا قَطْعَ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا مَرَّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا) أَيْ مُكَافِئًا لَهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَسْقُطُ) وَلَا يُعْتَبَرُ فِي قَتْلِهِ طَلَبُ الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّ انْحِتَامِهِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ إلَخْ قَالَ فِي الْعُبَابِ وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا مَحْضًا لِأَجْلِ الْمَالِ وَأَخَذَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ دُونَ النِّصَابِ وَغَيْرَ مُحْرَزٍ قُتِلَ حَتْمًا اهـ وَيُشْتَرَطُ لِقَطْعِ الْقَاطِعِ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ الْحِرْزُ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ اعْتِبَارُ طَلَبِ الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الْقَتْلِ طَلَبَ الْأَوْلِيَاءِ وَاسْتُشْهِدَ بِذَلِكَ بِنَصِّ الْأُمِّ وَيُشْتَرَطُ لِصَلْبِهِ مَعَ الْقَتْلِ كَوْنُ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ اخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ وَقِيَاسُ اشْتِرَاطِهِ كَمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ اشْتِرَاطُ الْحَوْزِ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ وَطَلَبُ الْمَالِكِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْعُبَابِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَأَخْذِهِ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْأَخْذِ لِلْمَالِ كَافِيًا فِي تَحَتُّمِ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ (تَنْبِيهٌ)
لَوْ قَالَ قَتَلَهُ عَدَاوَةً لَا لِأَخْذِ الْمَالِ وَكَذَّبَهُ الْوَلِيُّ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ فِي ذَلِكَ أَوْ الْوَلِيِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْأَقْرَبُ تَصْدِيقُ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَفَائِدَةُ تَصْدِيقِهِ انْدِفَاعُ تَحَتُّمِ قَتْلِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا) قِيَاسُهُ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ وَانْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ وَطَلَبُ الْمَالِكِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ بِلَا شُبْهَةٍ مَعَ صَلْبِ مَالِكِهِ شَرْطٌ لِصَلْبِهِ مَعَ قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ قِيَاسُهُ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ) وَذَلِكَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إمَّا تَوْقِيفٌ أَوْ لُغَةٌ وَهُمَا حُجَّةٌ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ فَكَانَ مُرَتَّبًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَوْ أُرِيدَ التَّخْيِيرُ لَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ وَإِذْ ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ أَوَّلًا) ذَكَرَهُ لِيُعَلِّقَ بِهِ مَا بَعْدَهُ وَذَكَرَ لَفْظَهُ أَوَّلًا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا مِنْ الْأَيَّامِ) فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ الْمَذْكُورِ الِانْفِجَارُ وَنَحْوُهُ وَإِلَّا فَمَتَى حُبِسَتْ جِيفَةُ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا حَصَلَ النَّتْنُ وَالتَّغَيُّرُ غَالِبًا
(قَوْلُهُ وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ) الْمُرَادُ بِمَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ أَنْ لَا تَمْتَدَّ إلَيْهِمْ يَدُ الْإِمَامِ بِهَرَبٍ أَوْ اسْتِخْفَاءٍ أَوْ امْتِنَاعٍ (تَنْبِيهٌ)
ادَّعَى الْمُحَارِبُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابَ قَبْلَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالدَّعْوَى أَمَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ فِي سُقُوطِ حَدٍّ قَدْ وَجَبَ وَإِنْ اقْتَرَنَ