وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ بِوَقْفِ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ وَكَذَّبَهُ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت لَيْسَ الْوَقْفُ كَالْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ عَلَى الْمُخْتَارِ (وَلَوْ أَقَرَّ) بِلَا دَعْوَى (بِسَرِقَةٍ لِغَائِبٍ) أَوْ شَهِدَ بِهَا شُهُودُ حِسْبَةٍ (لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَقْدَمَ) مِنْ غَيْبَتِهِ وَيُطَالِبَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْمَالَ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مُتَعَلِّقُ حَقِّ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ حِفْظًا لِمَالِهِ وَاشْتُرِطَ حُضُورُهُ وَفِي مَعْنَى حُضُورِهِ حُضُورُ وَكِيلِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَهَلْ يُحْبَسُ) الْمُقِرُّ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ كَمَنْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ لِغَائِبٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ لَا يُحْبَسُ إلَّا إنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ وَتُوُقِّعَ قُدُومُهُ عَلَى قُرْبٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَاهِلَةِ أَوْ يُحْبَسُ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ تَالِفَةً لِلْغُرْمِ وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أُخِذَتْ مِنْهُ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَ طُولِ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا (فِيهِ وُجُوهٌ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمُّ الْأَوَّلُ وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قُلْت وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ (فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ) أَيْ الْغَائِبُ (بِغَصْبٍ) لِمَالٍ (لَمْ يُطَالِبْهُ الْحَاكِمُ) بِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَالِ الْغَائِبِ فَلَا يَحْبِسُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقَطْعِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ (إلَّا إنْ مَاتَ) الْغَائِبُ عَنْ الْمَالِ (وَخَلَّفَهُ لِطِفْلٍ وَنَحْوِهِ) فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُقِرَّ بِهِ وَيَحْبِسَهُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ
(فَرْعٌ لَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةِ دُونَ النِّصَابِ لَمْ يُقْبَلْ) إلَّا إنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ (أَوْ بِنِصَابٍ قُطِعَ) كَإِقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ قِصَاصًا (وَلَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ) وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِ الْغُرْمِ بِرَقَبَتِهِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ وَانْتِزَاعُهُ مِنْهُ إنْ بَقِيَ وَهَذَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقْرَارِ
(فَرْعٌ لِلْقَاضِي التَّعْرِيضُ لَهُ) أَيْ لِمَنْ اُتُّهِمَ (فِي) بَابِ (الْحُدُودِ) بِمَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْهَا (بِأَنْ يُنْكِرَ) مَا اُتُّهِمَ بِهِ مِنْهَا سَتْرًا لِلْقَبِيحِ وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ» (إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ) ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّعْرِيضُ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الشُّهُودِ (وَ) لَهُ التَّعْرِيضُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا (بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ) وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلِخَبَرِ مَاعِزٍ السَّابِقِ فِي بَابِ الزِّنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِأَنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَإِذَا عَرَضَ لَهُ، فَإِنَّمَا يَعْرِضُ (بِمَا) أَيْ بِرُجُوعٍ (لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْغَيْرِ) مِنْ عُقُوبَةٍ وَغَيْرِهَا لَا بِمَا يُسْقِطُهُ حَتَّى لَا يَعْرِضَ فِي السَّرِقَةِ بِمَا يُسْقِطُ الْغُرْمَ وَإِنَّمَا يَسْعَى فِي دَفْعِ الْقَطْعِ كَمَا أَنَّهُ فِي حُدُودِ اللَّهِ يُسْتَحَبُّ السَّتْرُ وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يَجِبُ الْإِظْهَارُ (وَلَا يَقُولُ) لَهُ (ارْجِعْ) عَنْ الْإِقْرَارِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ صَرَائِحِ الرُّجُوعِ كَاجْحَدْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْكَذِبِ وَمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلسَّارِقِ أَسَرَقْت قُلْ لَا» لَمْ يَصِحَّ (بَلْ) يَقُولُ لَهُ فِي الزِّنَا (لَعَلَّك لَامَسْت أَوْ) فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لَعَلَّك (مَا عَلِمْته خَمْرًا أَوْ) فِي السَّرِقَةِ لَعَلَّك (سَرَقْت مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَحْوُ لَعَلَّك فَاخَذْتَ أَوْ قَبَّلْت أَوْ لَمْ تَعْلَمْهُ مُسْكِرًا أَوْ غَصَبْت أَوْ أَخَذْت بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ وَرَدَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي الْأَخْبَار (وَلَا يُسْتَحَبُّ) لَهُ (التَّعْرِيضُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ التَّعْرِيضَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ (وَلَوْ عَرَّضَ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ) فِي الشَّهَادَةِ بِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى (جَازَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ) فِي السَّتْرِ، فَإِنْ انْتَفَتْ لَمْ يَجُزْ
(الثَّالِثُ الشَّهَادَةُ فَيَثْبُتُ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ)
شَاهِدٍ (وَيَمِينٍ وَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ) فَلَا يَثْبُتُ بِمَا ذُكِرَ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ وَهَذَا كَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَصْبُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ الْعِتْقُ دُونَهُمَا وَيُخَالِفُ مَا لَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ، وَالْغُرْمُ هُنَا لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْقَطْعِ وَوَصَفَ الشَّاهِدَيْنِ بِقَوْلِهِ (يُبَيِّنَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِوَطْءِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَفِي مَعْنَى حُضُورِهِ حُضُورُ وَكِيلِهِ فِي ذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهَلْ يُحْبَسُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (فَرْعٌ)
سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا إذَا سَرَقَ مَالَ سَفِيهٍ هَلْ يَكْفِي فِي الْقَطْعِ طَلَبُ الْوَلِيِّ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي طَلَبُ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ قَيِّمٍ، فَإِذَا طَلَبَ الْوَلِيُّ قُطِعَ كَمَا فِي الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ
(قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا إلَخْ) وَأَسْقَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِأَنَّ حَدَّ اللَّهِ يُنْدَبُ إلَى سِتْرِ مُوجِبِهِ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ، فَإِنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِالْحَدِّ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ لَمْ يَسْرِقْ وَشَرَحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى سَتْرِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ فَثَبَتَ عَلَيْهِ سَقَطَ بِرُجُوعِهِ وَشَرَحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَهْلُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ وَاسْتَبْعَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ثَالِثُ الْأَوْجُهِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَحْكِي ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ وَيَنْقُلُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُعَرِّضُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَأَمَّا فِي الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا وَلَزِمَ مِنْ إسْقَاطِ هَذَا الْقَيْدِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ ضَعِيفًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي طَرِيقَةِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقُولُ لَهُ ارْجِعْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَوْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْأَوَّلُ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ أَوْ فِي السَّرِقَةِ لَعَلَّك سَرَقْت إلَخْ) لَوْ رَجَعَ بَعْدَ قَطْعِ بَعْضِ الْيَدِ سَقَطَ الْبَاقِي، فَإِنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ وَإِلَّا فَلِلْمَقْطُوعِ قَطْعُ الْبَاقِي وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ، فَإِنَّهُ تَدَاوٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعَرُّضُ) وَإِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ (قَوْلُهُ جَازَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ) نَعَمْ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى تَوَقُّفِهِمْ عَنْ الشَّهَادَةِ حَدٌّ عَلَى الْغَيْرِ لَمْ يَجُزْ التَّعْرِيضُ وَلَا التَّوَقُّفُ
(قَوْلُهُ يُبَيِّنَانِ السَّارِقَ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ) ، فَإِنْ غَابَ فَبِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ (تَنْبِيهٌ)
لَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً (قَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ