حَتَّى يَتَوَطَّنَ) بَلَدًا (ثُمَّ يُغَرَّبَ) مِنْهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي إنَّهُ يُغَرَّبُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي قَصَدَهُ (وَيُرَاقَبُ الْمُغَرَّبُ) أَيْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ فِي الْمَكَان الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَلَا يُحْبَسُ فِيهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُرَاقَبُ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى مَا دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا لَا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ وَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ مِنْ تَصْحِيحٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ لِيَكُونَ كَالْحَبْسِ لَهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَالنُّزْهَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ بِلَادُ غُرْبَةٍ وَبِقَوْلِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهَا بَلْ فِي غَيْرِ جَانِبِ بَلَدِهِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ وَكَأَنْ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْجَمْعُ حَذَفَ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ. (وَمُؤْنَتُهُ) أَيْ الْمُغَرَّبُ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ (عَلَى نَفْسِهِ) إنْ كَانَ حُرًّا، وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ (فَإِنْ خِيفَ رُجُوعُهُ) إلَى مَحَلِّهِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ (حُبِسَ) جَوَازًا.
(وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدٍ غُرِّبَ مِنْهُ اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ) لِيَتَوَالَى الْإِيحَاشُ (فَلَا تُفَرَّقُ السَّنَةُ) فِي الْحُرِّ، وَلَا نِصْفُهَا فِي غَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ رُدَّ إلَى الْغُرْبَةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُهَذَّبِ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَأَشَارَ إلَى تَفَرُّدِهِ بِهِ، وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا بِالِاسْتِئْنَافِ لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ الْبَلَدُ.
(وَلَوْ زَنَى الْمُغَرَّبُ) فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ (غُرِّبَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ الْبَقِيَّةُ) أَيْ بَقِيَّةُ مُدَّةِ الْأَوَّلِ فِي مُدَّةِ الثَّانِي لِتَجَانُسِ الْحَدَّيْنِ (وَلَا يُعْتَدُّ بِتَغْرِيبِهِ نَفْسَهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْكِيلُ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَغْرِيبِ الْإِمَامِ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ رَجَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عُزِّرَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ حَبْسِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مُدَّةَ الْحَبْسِ مَجْهُولَةٌ لَهُ بِخِلَافِ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ، وَأَوَّلُهَا ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لَا وَقْتُ وُصُولِهِ إلَى مَا غُرِّبَ إلَيْهِ.
(وَلَوْ غُرِّبَتْ امْرَأَةٌ اُشْتُرِطَ خُرُوجُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) مَعَهَا، وَلَوْ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِخَبَرِ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ الزَّانِيَةِ الْهَتْكَ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا، وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا كَعَبْدِهَا حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى تَغْرِيبِهَا وَحْدَهَا، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ سَفَرِهَا وَحْدَهَا مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ (وَأُجْرَتُهُ عَلَيْهَا) إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَتِمُّ بِهَا الْوَاجِبُ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ سَفَرِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ (فَلَوْ امْتَنَعَ) مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا بِأُجْرَةٍ (لَمْ يُجْبَرْ) كَمَا فِي الْحَجِّ؛ وَلِأَنَّ فِي إجْبَارِهِ تَعْذِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ (وَيُؤَخَّرُ) حِينَئِذٍ (تَغْرِيبُهَا) إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهَا تُغَرَّبُ وَيَحْتَاطُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ.
(وَفِي الِاكْتِفَاءِ) فِي الْخُرُوجِ مَعَهَا (بِنِسْوَةٍ ثِقَاتٍ) اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ أَمْنِ طَرِيقٍ، وَجْهَانِ) أَظْهَرُهُمَا عَلَى مَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ، وَأَحَدُهُمَا عَلَى مَا فِي السَّقِيمَةِ الَّتِي اخْتَصَرَتْ مِنْهَا الرَّوْضَةُ نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ النِّسْوَةَ مَطْمُوعٌ فِيهِنَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ. انْتَهَى. وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا هُوَ مَا فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ وَالْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَهَذَا أَوْلَى أَمَّا مَعَ الْخَوْفِ فَلَا يُكْتَفَى بِالنِّسْوَةِ، وَهَلْ يُشْرَعُ التَّغْرِيبُ عِنْدَ الْخَوْفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فِيهِ قَوْلٌ بِشَرْعِيَّتِهِ، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ، وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ حَتَّى لَا يُغَرَّبَ الرَّجُلُ، وَلَا الْمَرْأَةُ الْمُسْتَصْحَبَةُ لِلزَّوْجِ أَوْ نَحْوِهِ حِينَئِذٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يُغَرَّبُ وَحْدَهُ، وَلَوْ أَمْرَدَ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ أَوْ نَحْوِهِ.
(وَيُنْفَى الْمُخَنَّثُونَ تَعْزِيرًا) لِثُبُوتِهِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ مُدَّةَ تَغْرِيبِ الزَّانِي.
(فَصْلٌ: لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) ، وَلَوْ مَرَّةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إقَامَتِهِ إمَّا بِالْبَيِّنَةِ فَالْآيَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQنَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ بَلْ إذَا رَأَى تَغْرِيبَهُ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ لَمْ يُمْنَعْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا لِلْحَجِّ أَوْ الْجِهَادِ فَلَا يَنْبَغِي تَفْوِيتُ مَقْصُودِهِ وَيَكْفِي فِي التَّنْكِيلِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْعَوْدِ وَالتَّصَرُّفِ فِي السَّفَرِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (فَرْعٌ) لَوْ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ، وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ لِلْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ غُرِّبَتْ امْرَأَةٌ اُشْتُرِطَ خُرُوجُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) أَمَّا الْأَمَةُ فَهَلْ الْمَطْلُوبُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا سَيِّدُهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَيَبْعُدُ أَنْ نُوجِبَ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَخْ) يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا وَبِهِ يَتَأَيَّدُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ الْآتِي ش (قَوْلُهُ: فَلَوْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ) لِإِخْفَاءِ أَنَّ مَحْرَمَهَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ أَجْبَرَهَا لِلْخِدْمَةِ مُدَّةَ التَّغْرِيبِ أُجْبِرَ لَا مَحَالَةَ.
(قَوْلُهُ: أَظْهَرُهُمَا عَلَى مَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَصْلِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ كَمَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ وَاطِئًا أَمْ مَوْطُوءًا
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) قَضِيَّةُ حَصْرِهِ الثُّبُوتَ فِي الطَّرِيقَيْنِ يَنْفِي صُوَرًا. إحْدَاهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ فِيمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا وَطَلَبَ مِنْهُ الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَذْفِ فَطَلَبَ يَمِينَهُ عَلَى أَنَّهُ مَا زَنَى فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَحَلَفَ أَنَّهُ زَانٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الدَّعَاوَى. الثَّالِثَةُ إذَا وُجِدَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا، وَلَا زَوْجَ لَهَا، وَأَنْكَرَتْ الزِّنَا لَمْ تُحَدَّ خِلَافًا