(فَصْلٌ: لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ، وَهِيَ) أَيْ الزَّوْجَةُ (حَامِلٌ أَوْ) ارْتَدَّ (أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحَمْلِ فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ) بِالتَّبَعِيَّةِ (وَلَوْ انْعَقَدَ بَيْنَ الْمُرْتَدِّينَ فَلَهُ حُكْمُهُمَا) فَيَكُونُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا فَلَا يُسْتَرَقُّ، وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُسْتَتَابَ فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ إنَّهُ مُسْلِمٌ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ قَاضِيَةٌ بِهِ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ (أَوْ بَيْن مُرْتَدٍّ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ فَكَالْأَصْلِيِّ) تَغْلِيبًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَيُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ الْأَصْلِيُّ مِمَّنْ يُقَرُّ بِهَا كَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مَجُوسِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ، وَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ.
(فَرْعٌ: لَوْ نَقَضَ ذِمِّيٌّ أَوْ مُعَاهَدٌ) عَهْدَهُ (وَتَرَكَ وَلَدَهُ) عِنْدَنَا (لَمْ يُنْقَضْ) أَيْ الْعَهْدُ (فِي حَقِّهِ) فَلَا يُسْتَرَقُّ (فَإِنْ بَلَغَ عَاقِلًا، وَلَمْ يَقْبَلْ الْجِزْيَةَ بُلِّغَ الْمَأْمَنَ) ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا.
(فَصْلٌ: مِلْكُ الْمُرْتَدِّ، وَتَمَلُّكُهُ بِاصْطِيَادٍ وَاحْتِطَابٍ) وَنَحْوِهِمَا (مَوْقُوفٌ) كَبُضْعِ زَوْجَتِهِ (سَوَاءٌ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ لَهُ قَطْعًا) أَيْ تَبَيُّنًا أَنَّ مَا مَلَكَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَأَنَّ مَا تَمَلَّكَهُ مَلَكَهُ يَوْمَ تَمَلَّكَهُ (وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ) عَنْهُ بِالرِّدَّةِ عَلَى وَجْهٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا (بَانَ أَنَّ مِلْكَهُ فَيْءٌ، وَ) أَنَّ (مَا يَمْلِكُهُ) فِي الرِّدَّةِ بِاحْتِطَابٍ أَوْ غَيْرِهِ (عَلَى الْإِبَاحَةِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ) ، وَعَلَى مُمَوِّنِهِ (، وَتُقْضَى دُيُونٌ لَزِمَتْهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ مَالِهِ) إذْ غَايَةُ الرِّدَّةِ جَعْلُهَا كَالْمَوْتِ (وَكَذَا مَا) أَيْ دُيُونٌ (لَزِمَتْهُ فِيهَا بِإِتْلَافٍ) قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَعَدَّى بِحَفْرِ بِئْرٍ وَمَاتَ ثُمَّ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ (وَيُوضَعُ مَالُهُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَأَمَتُهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا كَالْمَحْرَمِ (وَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مُسْتَوْلَدَتُهُ) أَيْ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ (وَيُؤَخَّرُ مَا يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ) ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَتَهُ احْتِيَاطًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِهِ.
(وَلَا يَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ) بِرِدَّتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِهَا (بَلْ) حُلُولُهُ (مَوْقُوفٌ) كَمِلْكِهِ (وَيَصِحُّ مِنْهُ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ) بِأَنْ يُقْبَلَ قَوْلَيْهِ وَمَقْصُودُ فِعْلَيْهِ التَّعْلِيقُ (كَعِتْقٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَاسْتِيلَادٍ) ، وَتَدْبِيرٍ وَخُلْعٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَيُوقَفُ) نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَوَقْفُ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ مِمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لَا بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَكِتَابَةٍ، وَإِنْكَاحٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَقْفَ فَلَا تُوقَفُ بَلْ تَبْطُلُ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي الْكِتَابَةِ هُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ هُنَا وَفِي الْكِتَابَةِ لَكِنَّهُ جَرَى هُنَاكَ عَلَى الصِّحَّةِ وَنَقَلَهَا الْأَصْلُ ثَمَّ عَنْ جَمْعٍ وَنَقَلَ الْبُطْلَانَ عَنْ وَاحِدٍ وَرَدَّهُ بِأَنَّ هَذَا وَقْفُ تَبَيُّنٍ لَا، وَقْفُ صِحَّةٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى الْجَدِيدِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ وَقْفَ التَّبَيُّنِ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ وُجِدَ الشَّرْطُ حَالَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الشَّرْطُ احْتِمَالُ الْعَقْدِ التَّعْلِيقَ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (، وَتُؤْخَذُ نُجُومُ كِتَابَتِهِ) الْوَاقِعَةُ قَبْلَ رِدَّتِهِ أَيْ يَأْخُذُهَا عَنْهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بِيعَ) عَلَيْهِ (حَيَوَانٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ) .
(فَصْلٌ) لَوْ (امْتَنَعَ مُرْتَدُّونَ بِنَحْوِ حِصْنٍ بَدَأْنَا بِقِتَالِهِمْ) دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ أَغْلَظُ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ (وَاتَّبَعْنَا مُدْبِرَهُمْ وَذَفَّفْنَا جَرِيحَهُمْ وَاسْتَتَبْنَا أَسِيرَهُمْ وَضَمَّنَاهُمْ كَالْبُغَاةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْحَرْبِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ (وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمُرْتَدِّ) وَيُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي (وَالدِّيَةُ) حَيْثُ لَزِمَتْهُ بِعَفْوٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي مَالِهِ) مُطْلَقًا (مُعَجَّلَةٌ) فِي الْعَمْدِ وَمُؤَجَّلَةٌ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ مَاتَ حَلَّتْ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ.
(وَإِذَا وُطِئَتْ مُرْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ) كَأَنْ وُطِئَتْ مُكْرَهَةً (أَوْ اُسْتُخْدِمَتْ مُكْرَهَةً) وَكَذَا الْمُرْتَدُّ (فَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْأُجْرَةِ مَوْقُوفَانِ، وَلَوْ) أَتَى فِي رِدَّتِهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا كَأَنْ (زَنَى) أَوْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ قَذَفَ أَوْ سَرَقَ (حُدَّ ثُمَّ قُتِلَ) وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ انْعَقَدَ بَيْنَ الْمُرْتَدِّينَ فَلَهُ حُكْمُهُمَا فَيَكُونُ إلَخْ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مُسْلِمٌ غَيْرَ الْأَبَوَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَصْلٌ مُسْلِمٌ كَجَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا، وَلَا يَأْتِي هُنَا تَصْحِيحُ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ، وَلَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ أَمَّا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا أَصْلِيًّا تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ، وَهُنَاكَ أَصْلٌ مُسْلِمٌ غَيْرَ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَا مُرْتَدَّيْنِ بَلْ أَوْلَى. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فِي الْإِسْلَامِ لِأَصْلِ مُسْلِمٍ غَيْرِ أَبَوَيْهِ فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ
(قَوْلُهُ: مِلْكُ الْمُرْتَدِّ إلَخْ) فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا لَا يُنَافِي الْمِلْكَ كَالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ؛ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ سَبَبٌ لِهَدْرِ الدَّمِ فَلَا تُزِيلُ الْمِلْكَ كَالزِّنَا؛ وَلِأَنَّ مَالَهُ مُعْتَبَرٌ بِدَمِهِ وَدَمُهُ مَوْقُوفٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مُمَوِّنِهِ) مِنْ زَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ وَقَرِيبٍ.
(قَوْلُهُ: وَوَصِيَّةٌ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ شَخْصٍ أَوْصَى بِشَيْءٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا فَهَلْ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ أَمْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تَنْفُذُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ) وَوَقَعَ سَهْوٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلُهُ وَتَدْبِيرٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْحَرْبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ، وَحَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ، وَأَشْعَرَ بِتَرْجِيحِهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَعِبَارَةُ الْأَصْفُونِيِّ فِي مُخْتَصِر الرَّوْضَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ فَأَتْلَفُوا شَيْئًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا، وَأَسْلَمُوا فَفِي ضَمَانِهِمْ قَوْلَا الْبُغَاةِ.
(قَوْلُهُ: فَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْأُجْرَةِ مَوْقُوفَانِ) ، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ أَكْسَابِهِمَا حَالَ رِدَّتِهِمَا.