أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ (الْغَيْرِ) إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ أُجْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْقِتَالِ لِلضَّرُورَةِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ لِمَا يَتْلَفُ فِي الْقِتَالِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ نَشَأَتْ مِنْ الْمُضْطَرِّ بِخِلَافِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهَا إنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ.
(وَلَا نُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ) وَيَعْظُمُ أَثَرُهُ (كَالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ) ، وَإِرْسَالِ السُّيُولِ الْجَارِفَةِ (وَلَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيلَاءُ) عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَأَنْ تَحَصَّنُوا بِبَلْدَةٍ، وَلَمْ يَتَأَتَّ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، وَقَدْ يَرْجِعُونَ فَلَا يَجِدُونَ لِلنَّجَاةِ سَبِيلًا؛ وَلِأَنَّ تَرْكَ بَلْدَةٍ بِأَيْدِي طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَوَقَّعُ الِاحْتِيَالُ فِي فَتْحِهَا أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ مِنْ اسْتِئْصَالِهِمْ (إلَّا لِضَرُورَةِ دَفْعٍ) بِأَنْ خِيفَ اسْتِئْصَالُنَا بِهِمْ بِأَنْ أَحَاطُوا بِنَا وَاضْطُرِرْنَا إلَى دَفْعِهِمْ بِذَلِكَ أَوْ قَاتَلُونَا بِهِ وَاحْتَجْنَا إلَى دَفْعِهِمْ إلَى مِثْلِهِ فَيَجُوزُ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ بِهِ (وَيَتَجَنَّبُ) الْعَادِلُ نَدْبًا (قَرِيبَهُ) الْبَاغِي أَيْ قِتَالَهُ (مَا أَمْكَنَ) بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ.
(وَتَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ) عَلَيْهِمْ (بِكَافِرٍ) ، وَلَوْ ذِمِّيًّا إذْ لَا يَجُوزُ تَسْلِيطُهُ عَلَيْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ وَالْكُفَّارِ يَدِينُونَ بِقَتْلِهِمْ نَعَمْ يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَقَالُوا إنَّهُ مُتَّجَهٌ (وَكَذَا) يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَا يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ الِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ (بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ) لِعَدَاوَةٍ أَوْ لِاعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ إبْقَاءً عَلَيْهِمْ، وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الشَّافِعِيِّ الْحَنَفِيَّ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يَنْفَرِدُ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَالْمَذْكُورُونَ هُنَا تَحْتَ رَأْيِ الْإِمَامِ فَفِعْلُهُمْ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلُوا بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ (إلَّا إنْ احْتَجْنَاهُمْ) أَيْ احْتَجْنَا إلَى مَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ (وَلَهُمْ إقْدَامٌ) أَيْ حُسْنُ إقْدَامٍ (وَجَرَاءَةٍ، وَأَمْكَنَ) دَفْعُهُمْ عَنْهُمْ لَوْ اتَّبَعُوهُمْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ وَشَرَطْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُتْبِعُوا مُدْبِرًا، وَلَا يَقْتُلُوا جَرِيحًا وَنَثِقُ بِوَفَائِهِمْ بِذَلِكَ.
(وَإِنْ قُتِلَ) وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ (أَسِيرُهُمْ أَوْ مُثْخِنُهُمْ) أَوْ مُدْبِرُهُمْ أَوْ ذُفِّفَ جَرِيحُهُمْ (فَلَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ) تَجْوِيزِ (أَبِي حَنِيفَةَ) قَتْلَهُ (وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ، وَجُمُوعُهُمْ بَاقِيَةٌ) ، وَلَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ (إلَّا إنْ تَابَ وَبَايَعَ) الْإِمَامَ، وَلَفْظُ تَابَ مِنْ زِيَادَتِهِ (، وَإِنْ تَفَرَّقُوا أُطْلِقَ) الْأَسِيرُ، وَلَوْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُمْ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ عَلَى الْأَسِيرِ) مِنْهُمْ (الْبَيْعَةَ) لِلْإِمَامِ.
(فَصْلٌ: لَوْ عَقَدَ الْبُغَاةُ ذِمَّةً) أَيْ أَمَانًا (الْحَرْبِيِّينَ لِيُعِينُوهُمْ) عَلَيْنَا (نَفَذَتْ فِي حَقِّهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُمْ (لَا) فِي (حَقِّنَا) ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لِتَرْكِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَقِدُ بِشَرْطِ الْقِتَالِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِذَا حَارَبُونَا مَعَهُمْ لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُهُمْ فِي حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمِنَ شَخْصٌ مُشْرِكًا فَقَصَدَ مُسْلِمًا أَوْ مَالَهُ فَلِمُؤَمِّنِهِ مُجَاهَدَتُهُ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ لِيَكُفَّ عَنْ الْكُلِّ فَانْتَقَضَ بِقِتَالِ أَحَدِهِمْ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ مَعَ الْبُغَاةِ أَمَّا إذَا عَقَدُوهَا لَهُمْ بِغَيْرِ شَرْطِ إعَانَتِهِمْ عَلَيْنَا فَيَنْفُذُ فِي حَقِّنَا أَيْضًا فَإِذَا اعْتَانُوا بِهِمْ عَلَيْنَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ فِي حَقِّنَا نَصَّ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ انْتِقَاضُهُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا (فَمَا أَتْلَفُوهُ عَلَى الْبُغَاةِ لَا عَلَيْنَا ضَمِنُوهُ) لِصِحَّةِ الْأَمَانِ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّنَا (وَنَسْتَبِيحُهُمْ) نَحْنُ بِأَنْ نَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ وَنَسْتَرِقَّهُمْ وَنَسَبِي نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَنَقْتُلَ مُدْبِرَهُمْ وَنُذَفِّفَ عَلَى جَرِيحِهِمْ (وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ) بِخِلَافِ الْبُغَاةِ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ لِدُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ (فَلَوْ قَالُوا) أَيْ الْحَرْبِيُّونَ (ظَنَنَّاهُمْ) أَيْ الْبُغَاةَ (الْمُحِقِّينَ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَإِنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّينَ (أَوْ ظَنَنَّا جَوَازَ الْإِعَانَةِ) لَهُمْ فِي قِتَالِكُمْ أَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعَانُوا بِنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ أُجْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْقِتَالِ لِلضَّرُورَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتَجِبُ أُجْرَتُهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا لِلضَّرُورَةِ وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مِنْ طَعَامِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ) عِبَارَتُهُ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْقِتَالِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَإِلَّا فَتَلْزَمُهُمْ الْأُجْرَةُ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي قِتَالِهِمْ، وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ، وَلَوْ فَعَلُوهُ ضَمِنُوا أَجْرَ الْمِثْلِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَتَجِبُ أُجْرَتُهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
(قَوْلُهُ: وَالنَّارُ) فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا» (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِثْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ (قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا، قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْكُفَّارُ يَدِينُونَ بِقَتْلِهِمْ) مُقْبِلِهِمْ وَمُدْبِرِهِمْ، وَجَرِيحِهِمْ، وَأَسِيرِهِمْ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَاصِرَهُمْ وَيَمْنَعَهُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ (قَوْلُهُ: نَعَمْ تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ) مَوْضِعُ الْمَنْعِ فِيمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى مَا رَأَيْنَاهُ فِيهِمْ كَمَا قَيَّدَهُ الْإِمَامُ، وَإِلَّا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِيمَا يَرَاهُ مَذْهَبًا، وَقَوْلُهُ كَمَا قَيَّدَهُ الْإِمَامُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ وَشَرَطْنَا عَلَيْهِمْ إلَخْ) ، قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ قُوَّتُنَا، وَهُوَ إمْكَانُ دَفْعِهِمْ فِيهَا غُنْيَةً عَنْ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: لَوْ عَقَدَ الْبُغَاةُ ذِمَّةً، وَأَمَانًا لِحُرٍّ أَيْ بَيْنَ إلَخْ) اقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِهِمْ لَيْسَتْ بِأَمَانٍ لَهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَقَالَ إذَا اسْتَعَانُوا بِهِمْ، وَلَمْ يَعْقِدُوا لَهُمْ أَمَانًا فَكَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِقِتَالِنَا فِي سَبْيِهِمْ وَاغْتِنَامِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْبُغَاةِ، وَقَوْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَنْعَقِدُ بِشَرْطِ الْقِتَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ عَقَدَ بِقِتَالِنَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى قِتَالِنَا؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي الطَّرَفَيْنِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْكِفَايَةِ، وَإِذَا حَارَبُونَا مَعَهُمْ لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُهُمْ فِي حَقِّهِمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ انْتِقَاضُهُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَإِنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّينَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ