الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ وَغَيْرُهُ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَنَاقُضَ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا خِطَابِيَّةً فَيُمْتَنَعُ مِنَّا ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ مَا ذُكِرَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ مُوَافِقِيهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ نَعَمْ لَوْ بَيَّنُوا فِي شَهَادَتِهِمْ السَّبَبَ قُبِلَتْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ كَمَا سَيَأْتِي.
ثَمَّ وَخَرَجَ بِمَا يَنْفُذُ فِيهِ قَضَاؤُنَا غَيْرُهُ كَأَنْ حَكَمُوا بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَلَا نَنْفُذُهُ (، وَلَوْ كَتَبُوا بِحُكْمٍ) مِنْهُمْ إلَى حَاكِمِنَا (جَازَ تَنْفِيذُهُ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ أُمْضِيَ وَالْحَاكِمُ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ بَلْ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ لِوَاحِدٍ مِنَّا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ تَنْفِيذِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَكَذَا) لَوْ كَتَبُوا (بِسَمَاعِ بَيِّنَةٍ) يَجُوزُ لَنَا الْحُكْمُ بِهَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِرَعَايَانَا (وَيُسْتَحَبُّ) لَنَا (أَنْ لَا نُنَفِّذَ حُكْمَهُمْ) اسْتِخْفَافًا بِهِمْ (وَلْيُعْتَدَّ بِمَا اسْتَوْفَوْهُ) بِالْبَلَدِ الَّذِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ (مِنْ حُدُودٍ) ، وَتَعَازِيرَ (وَخَرَاجٍ) وَزَكَاةٍ (وَجِزْيَةٍ) لِاعْتِمَادِهِمْ التَّأْوِيلَ الْمُحْتَمِلَ فَأَشْبَهَ الْحُكْمَ بِالِاجْتِهَادِ وَلِمَا فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّعِيَّةِ.
(وَكَذَا لَوْ فَرَّقُوا سَهْمَ الْمُرْتَزِقَةِ فِي جُنْدِهِمْ) يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُنْدِ الْإِسْلَامِ وَرُعْبُ الْكُفَّارِ قَائِمٌ بِهِمْ (وَلَوْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ بِالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ اسْتِيفَاءَهُمْ) مِنْهُ لَهُمَا، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُجْرَةٌ فَكَانَ الْمَطْلُوبُ بِهِمَا كَالْمُسْتَأْجِرِ (بِخِلَافِ الزَّكَاةِ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَمُوَاسَاةٌ وَمَبْنَاهَا عَلَى الرِّفْقِ (وَ) بِخِلَافِ (الْحَدِّ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ) ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَقَدْ أَنْكَرَ بِمَا يَدَّعِيهِ بَقَاءَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ كَالرُّجُوعِ (لَا الْبَيِّنَةَ) أَيْ لَا الْحَدُّ الثَّابِتُ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ بِهِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِيفَائِهِ، وَلَا قَرِينَةَ تَدْفَعُهُ (إلَّا إنْ بَقِيَ أَثَرُهُ) عَلَى بَدَنِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِلْقَرِينَةِ.
(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، وَمَا أَتْلَفُوهُ أَوْ أَتْلَفْنَاهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ) بِلَا ضَرُورَتِهَا (مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ مَضْمُونٍ) عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ (وَمَا أَتْلَفْنَاهُ أَوْ أَتْلَفُوهُ بِضَرُورَةِ الْحَرْبِ فَهَدَرٌ) اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، وَتَرْغِيبًا فِي الطَّاعَةِ؛ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْقِتَالِ فَلَا يُضْمَنُ مَا يُتَوَلَّدُ مِنْهُ، وَهُمْ إنَّمَا أَتْلَفُوا بِتَأْوِيلٍ (وَمَا أُتْلِفَ فِيهَا بِلَا حَاجَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِهَا (ضُمِنَ) كَالْمُتْلَفِ فِي غَيْرِهَا (وَيَجِبُ رَدُّ الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ فِي الْقِتَالِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ) إلَى أَرْبَابِهَا.
(فَرْعٌ) لَوْ (وَطِئَ بَاغٍ أَمَةَ عَادِلٍ) بِلَا شُبْهَةٍ (حُدَّ وَرُقَّ الْوَلَدُ، وَلَا نَسَبَ) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ زِنًا (وَمَتَى كَانَتْ مُكْرَهَةً) عَلَى الْوَطْءِ (لَزِمَهُ الْمَهْرُ) كَغَيْرِهِ (وَإِنْ وَطِئَهَا) يَعْنِي أَمَةَ غَيْرِهِ (حَرْبِيٌّ) ، وَلَا شُبْهَةَ، وَأَوْلَدَهَا (رُقَّ الْوَلَدُ) ، وَلَا نَسَبَ (وَ) لَكِنْ (لَا حَدَّ) عَلَيْهِ (وَلَا مَهْرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ.
(فَصْلٌ: الْمُتَأَوِّلُونَ بِلَا شَوْكَةٍ وَذَوُو الشَّوْكَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ لَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُمْ، وَلَا يُعْتَدُّ بِحُقُوقٍ قَبَضُوهَا) لِانْتِفَاءِ شُرُوطِهِمْ (وَيَضْمَنُ الْمُتْلَفَاتِ) ، وَلَوْ فِي الْحَرْبِ (مَنْ لَا شَوْكَةَ لَهُ) كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَإِلَّا لَأَبْدَتْ كُلُّ شِرْذِمَةٍ مَفْسَدَةً تَأْوِيلًا وَفَعَلَتْ مَا شَاءَتْ وَبَطَلَتْ السِّيَاسَاتُ (وَذَوُو الشَّوْكَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ كَبَاغِينَ) فِي الضَّمَانِ، وَعَدَمِهِ فَلَا يَضْمَنُونَ الْمُتْلَفَاتِ لِحَاجَةِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ عَنْ الْبَاغِينَ لِقَطْعِ الْفِتْنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ هُنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ فَأَتْلَفُوا مَالًا أَوْ نَفْسًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا، وَأَسْلَمُوا فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ لِجِنَايَتِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَقَلَهُ عَنْ تَصْحِيحِ جَمَاعَاتٍ، وَقَطْعٍ آخَرِينَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْوَجْهُ وَحَكَى الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ إذَا اسْتَحَلُّوا (قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنَّا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَخْ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ وَالْكِتَابُ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَوْلَى حَتَّى يَجِبَ إنْفَاذُ الْحُكْمِ، وَقَبُولُ الْكِتَابِ لِمَنْ هُوَ مِنَّا لَا مِنْهُمْ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ رَأَيْت الدَّارِمِيَّ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ حَقٌّ فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ، وَجَبَ عَلَى الْقَاضِيَيْنِ الْأَخْذُ فَإِنْ تَرَكَا عَصَيَا. اهـ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ الْمَذْكُورَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ تَنْفِيذِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلْيَعْتَدَّ بِمَا اسْتَوْفَوْهُ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ مَحَلَّهُ فِي إمَامِ الْفِرْقَةِ الْبَاغِيَةِ فَأَمَّا آحَادُ رَعِيَّتِهِ الَّذِينَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ ذَلِكَ أَوْ الْفِرْقَةَ الَّتِي مَنَعَتْ وَاجِبًا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَلَى الْإِمَامِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ بِفِعْلِهَا، قَالَ وَلِهَذَا عَبَّرَ الشَّافِعِيُّ بِإِمَامِهِمْ. اهـ. وَمَوْضِعُ الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ وُلَاةُ أُمُورِهِمْ وَالْمُطَاعُ فِيهِ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلِهَذَا فَرَضَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي إقَامَةِ الْإِمَامِ ر (قَوْلُهُ: وَزَكَاةٌ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَجَّلَةٍ أَوْ مُعَجَّلَةً وَاسْتَمَرَّتْ شَوْكَتُهُمْ حَتَّى وَجَبَتْ فَلَوْ زَالَتْ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَقَعْ مَا تَعَجَّلُوهُ مَوْقِعَهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَكُونُوا أَهْلًا لِلْأَخْذِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَدَقَةٌ عَامَّةٌ. اهـ.، وَتَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ الِاعْتِدَادُ بِأَخْذِهِمْ الْحُقُوقَ بِأَنَّ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ إضْرَارًا بِالرَّعِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُقَاسُونَ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ س، وَقَوْلُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلِمَا فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ إلَخْ) ، وَقَدْ فَعَلَ عَلِيٌّ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ
(قَوْلُهُ: مَا أَتْلَفُوهُ أَوْ أَتْلَفْنَاهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ إلَخْ) اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ مَا إذَا قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ فَلَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْقِتَالِ إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّا لَوْ غَرَّمْنَاهُمْ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُنَفِّرَهُمْ ذَلِكَ عَنْ الْعَوْدِ إلَى الطَّاعَةِ، وَيَحْمِلَهُمْ عَلَى التَّمَادِي فِيمَا هُمْ فِيهِ وَلِمِثْلِ ذَلِكَ أَسْقَطَ الشَّرْعُ التَّبَعَاتِ عَنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْأُمَّةَ أَنْ يُصْلِحُوا بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَبَعَةً فِي دَمٍ، وَلَا مَالٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا طَالَبَ أَحَدًا بِذَلِكَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ مَعَ مَعْرِفَةِ الْقَاتِلِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّمَانِ أَمَّا التَّحْرِيمُ فَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ لَا يَتَّصِفُ إتْلَافُهُمْ بِإِبَاحَةٍ، وَلَا تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُتْلِفُهُ الْحَرْبِيُّونَ حَالَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَحَكَى الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ) ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ وَضَمَانُهُمْ