السَّابِقِ لِارْتِكَابِهِمْ مُحَرَّمًا. وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا بُويِعَ لِلْخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» فَمَعْنَاهُ لَا تُطِيعُوهُ فَيَكُونُ كَمَنْ قُتِلَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ أَصَرَّ فَهُوَ بَاغٍ يُقَاتَلُ (فَإِنْ جُهِلَ سَبْقٌ أَوْ) عُلِمَ لَكِنْ جُهِلَ (سَابِقٌ فَكَمَا) مَرَّ (فِي) نَظِيرِهِ مِنْ (الْجُمُعَةِ) وَالنِّكَاحِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدَانِ (وَإِنْ عُلِمَ السَّابِقُ ثُمَّ نَسِيَ وُقِفَ) الْأَمْرُ رَجَاءَ الِانْكِشَافِ (فَإِنْ أَضَرَّ الْوَقْفُ) بِالْمُسْلِمِينَ (عُقِدَ لِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرِهِمَا) ؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَهُمَا أَوْجَبَ صَرْفَهَا عَنْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ بَطَلَ عَقْدَاهُمَا بِالْإِضْرَارِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ جَوَازُ عَقْدِهَا لِغَيْرِهِمَا إذْ هُوَ مُقْتَضَى بُطْلَانِ عَقْدِهِمَا، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ (وَالْحَقُّ) فِي الْإِمَامَةِ (لِلْمُسْلِمِينَ) لَا لَهُمَا (فَلَا تُسْمَعُ) (دَعْوَاهُمَا) أَيْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا (السَّبْقَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) أَحَدُهُمَا (لِلْآخَرِ بَطَلَ حَقُّهُ، وَلَا يَثْبُتُ) الْحَقُّ (لِلْآخَرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ بِسَبْقِهِ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ إنَّ الصَّوَابَ ثُبُوتُهُ لَهُ بِالْإِقْرَارِ لِانْحِصَارِ الْحَقِّ فِيهِ حِينَئِذٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا كَمَا عُرِفَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقِرِّ) بِالسَّبْقِ (لَهُ) أَيْ لِلْآخَرِ (مَعَ آخَرَ إنْ لَمْ يَسْبِقْ مُنَاقِضٌ) لَهَا بِأَنْ كَانَ يَدَّعِيَ اشْتِبَاهَ الْأَمْرِ قَبْلَ إقْرَارِهِ فَإِنْ سَبَقَ مُنَاقِضٌ بِأَنْ كَانَ يَدَّعِي السَّبْقَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ.
(فَصْلٌ: وَيَنْعَزِلُ الْإِمَامُ بِعَمًى وَصَمَمٍ وَخَرَسٍ وَمَرَضٍ يُنْسِيه الْعُلُومَ، وَجُنُونٍ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِمَامَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ: فَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَالْوِلَايَةُ لِلثَّانِي إلَّا أَنْ يَخَافَ فِتْنَةً فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لِلثَّانِي مُطْلَقًا (لَا إنْ كَثُرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ) مِنْ جُنُونِهِ (وَتَمَكَّنَ فِيهِ مِنْ أُمُورِهِ) أَيْ مِنْ قِيَامِهِ بِهَا فَلَا يَنْعَزِلُ (، وَلَا) يَنْعَزِلُ (إنْ فَسَقَ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْإِغْمَاءِ كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قَلَّ زَمَنُهُ، وَلَمْ يَتَكَرَّرْ، وَأَمَّا لَوْ طَالَ زَمَنُهُ، وَتَكَرَّرَ بِحَيْثُ يَقْطَعُهُ عَنْ النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ فَلَا (، وَلَا) يَنْعَزِلُ (بِثِقَلِ سَمْعٍ، وَتَمْتَمَةِ لِسَانٍ وَفِي مَنْعِهِمَا) الْإِمَامَةُ (ابْتِدَاءً خِلَافٌ) وَالْأَقْرَبُ لَا كَمَا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ (وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الدَّوَامِ) بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ إذْ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَبِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ.
(فَصْلٌ: لَا يَنْعَزِلُ إمَامٌ أَسَرَهُ كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ لَهُمْ إمَامٌ إلَّا إنْ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ خَلَاصِهِ) فَيَنْعَزِلُ (فَحِينَئِذٍ لَا يُؤَثِّرُ عَهْدُهُ) لِغَيْرِهِ بِالْإِمَامَةِ (وَتُعْقَدُ لِغَيْرِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ عَهِدَ لِغَيْرِهِ قَبْلَ الْيَأْسِ لِبَقَائِهِ عَلَى إمَامَتِهِ (وَإِنْ خُلَّصُ مِنْ الْأَسْرِ بَعْدَ الْيَأْسِ لَمْ يَعُدْ) إلَى إمَامَتِهِ بَلْ يَسْتَقِرُّ فِيهَا وَلِيُّ عَهْدِهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبُغَاةِ إمَامٌ لَمْ يَنْعَزِلْ) الْإِمَامُ الْمَأْسُورُ، وَإِنْ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ خَلَاصِهِ (وَيَسْتَنِيبُ) عَنْ نَفْسِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ (ثُمَّ يُسْتَنَابُ عَنْهُ إنْ عَجَزَ) عَنْهَا فَلَوْ خَلَعَ الْأَسِيرُ نَفْسَهُ أَوْ مَاتَ لَمْ يَصِرْ الْمُسْتَنَابُ إمَامًا.
(فَرْعٌ: يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْإِمَامِ خَلِيفَةً، وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ خَلَفَ الْمَاضِي وَخَلَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمَّتِهِ، وَقَامَ بِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ (لَا خَلِيفَةُ اللَّهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ يَغِيبُ وَيَمُوتُ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِقِيَامِهِ بِحُقُوقِهِ فِي خَلْقِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ} [فاطر: 39] قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ مَعَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَا يُسَمَّى أَحَدٌ خَلِيفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ آدَمَ وَدَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - قَالَ تَعَالَى {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] ، وَقَالَ {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [ص: 26] ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ.
(بَابُ قِتَالِ الْبُغَاةِ) جَمْعُ بَاغٍ سُمُّوا بِذَلِكَ لِمُجَاوَزَتِهِمْ الْحَدَّ، وَقِيلَ لِطَلَبِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] الْآيَةَ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ لَكِنَّهَا تَشْمَلُهُ لِعُمُومِهَا أَوْ تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْقِتَالَ لِبَغْيِ طَائِفَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ فَلِلْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْلَى (وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهِمْ، وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَنْ الطَّاعَةِ) لِإِمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَلَوْ جَائِرًا بِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ (بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ لَا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ) بَلْ يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لِلثَّانِي مُطْلَقًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قَلَّ زَمَنُهُ إلَخْ) مَحْمَلُ كَلَامِهِمْ الشِّقُّ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ لَا) هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ أَيْ وَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ
(بَابُ قِتَالِ الْبُغَاةِ) (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ) قَاتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ الْجَمَلِ بِالْبَصْرَةِ مَعَ عَائِشَةَ ثُمَّ قَاتَلَ أَهْلَ الشَّامِ بِصِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ قَاتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ السِّيرَةَ فِي قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الصِّدِّيقِ وَفِي قِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي قِتَالِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمَّارٍ قَتَلَتْك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَائِرًا) ، وَإِنْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى الْجَائِرِ لَيْسَ بَغْيًا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ بَغْيٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْجَوْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ وَنُوزِعَ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِخُرُوجِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَان وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِلَا عُذْرٍ، وَلَا تَأْوِيلٍ وَيُعْتَبَرُ فِي الْبُغَاةِ الْإِسْلَامُ فَالْمُرْتَدُّونَ إذَا نَصَبُوا الْقِتَالَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ