وَيَكُونُ قَوْلُهُ حَرَامٌ تَأْكِيدًا سَوَاءٌ أَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا فَيَدْخُلُ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى فِي مُقْتَضَى الظِّهَارِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى أَمْ أَطْلَقَ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ (إلَّا إنْ نَوَى بِهِ) أَيْ بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ (الطَّلَاقَ فَيَقَعَانِ وَلَا عَوْدَ) لِتَعْقِيبِهِ الظِّهَارَ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ أَنْت مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَرُوحِهَا أَوْ عَيْنِهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحَ ظِهَارٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ) أَيْ الظِّهَارِ (وَلِلظِّهَارِ حُكْمَانِ الْأَوَّلُ يَحْرُمُ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) لَهُ (وَطْءٌ) مِنْ الْمُظَاهِرِ (حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْإِطْعَامِ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّكْفِيرَ فِي الْآيَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ حَيْثُ قَالَ فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ فِي الْإِطْعَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَوَاقَعَهَا لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ» وَيُرْوَى اعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ وَهَذَا فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ، أَمَّا الْمُؤَقَّتُ فَحَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ مِمَّا سَيَأْتِي.
(وَهِيَ) أَيْ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا (فِي سَائِرِ) أَنْوَاعِ (الِاسْتِمْتَاعِ كَالْحَائِضِ) فَيَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بِهَا بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ مَعْنًى لَا يَحِلُّ بِالْمِلْكِ كَالْحَيْضِ وَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ كَالْحَائِضِ مِنْ تَرْجِيحِ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ فِي الصَّغِيرِ.
(الْحُكْمُ الثَّانِي وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ) عَلَى الْمُظَاهِرِ (بِالْعَوْدِ وَهُوَ) فِي غَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ (أَنْ يُمْسِكَهَا) فِي النِّكَاحِ وَالظِّهَارِ غَيْرَ مُؤَقِّتٍ (زَمَانًا يُمْكِنُهُ مُفَارِقَتُهَا فِيهِ) قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ وَالْعَوْدُ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ يُقَالُ قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا، ثُمَّ عَادَ لَهُ وَعَادَ فِيهِ أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَادَ فِي هِبَتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَوْدِ إلَى الْقَوْلِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ مِثْلُهُ وَمَقْصُودُ الظِّهَارِ وَصْفُ الْمَرْأَةِ بِالتَّحْرِيمِ وَإِمْسَاكُهَا يُخَالِفُهُ وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ أَوْ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ أَوْ بِالْعُودِ؛ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ؟ أَوْجُهٌ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ بِلَا تَرْجِيحٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا
(فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَقِبَهُ) أَيْ الظِّهَارِ (أَوْ فُسِخَ) النِّكَاحُ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِهَا (بِمَا يَقْتَضِيهِ) أَيْ الْفَسْخَ أَوْ انْفَسَخَ (أَوْ جُنَّ الزَّوْجُ أَوْ طَلَّقَ بَائِنًا، وَإِنْ جَدَّدَ أَوْ رَجْعِيًّا وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ ارْتَدَّ) أَحَدُهُمَا (قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ) فَلَا عَوْدَ لِعَدَمِ إمْسَاكِهَا فِي النِّكَاحِ فِي غَيْرِ الْجُنُونِ وَتَعَذُّرِ الْفُرْقَةِ فِي الْجُنُونِ (وَلَا كَفَّارَةَ) لِعَدَمِ الْعَوْدِ (وَكَذَا) لَا عَوْدَ وَلَا كَفَّارَةَ (لَوْ لَاعَنَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مُتَّصِلًا) بِالظِّهَارِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْإِيجَابُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الشِّرَاءِ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ بِمَجْمُوعِهَا مُوجِبَةٌ لِلْفُرْقَةِ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِمُوجَبِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ طُولُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ يَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَقْصَرَ (وَتَخَلُّلُ الْمُسَاوِمَةِ) وَنَحْوِهَا مِنْ أَسْبَابِ الشِّرَاءِ كَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ بَيْنَ الظِّهَارِ وَالْفُرْقَةِ (وَالْقَذْفِ) بِلَا نِدَاءٍ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي (وَإِثْبَاتُهُ لَا كَلِمَاتُ اللِّعَانِ عَوْدٌ) لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ ذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى الْفُرْقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ ذَلِكَ لِلظِّهَارِ بِخِلَافِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْفُرْقَةِ كَمَا مَرَّ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِعِلْمِهَا مِنْ قَوْلِهِ.
وَكَذَا لَوْ لَاعَنَهَا (فَإِنْ قَالَ) عَقِبَ الظِّهَارِ (طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ) هِيَ (فَطَلَّقَهَا فَوْرًا) بِلَا عِوَضٍ (فَلَا عَوْدَ) لِاشْتِغَالِهِ بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ (وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا) عَقِبَ الظِّهَارِ بِصِفَةٍ (فَعَائِدٌ) لِأَنَّهُ أَخَّرَ الطَّلَاقَ مَعَ إمْكَانِ التَّعْجِيلِ فَكَانَ مُمْسِكًا لَهَا إلَى وُجُودِ الصِّفَةِ (لَا إنْ عَلَّقَهُ) بِصِفَةٍ كَدُخُولِهِ الدَّارَ (ثُمَّ ظَاهَرَ وَأَرْدَفَهُ بِالصِّفَةِ) فَلَا يَكُونُ عَائِدًا لِتَحَقُّقِ الْفُرْقَةِ
(فَرْعٌ لَوْ قَالَ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَا زَانِيَةُ أَنْت طَالِقٌ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ) بَيْنَ أَنْت طَالِقٌ وَمَا قَبْلَهُ (لِعَانٌ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا) وَيَكُونُ قَوْلُهُ يَا زَانِيَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ (كَقَوْلِهِ يَا زَيْنَبُ) أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَنْعِ الْعَوْدِ، فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا لِعَانٌ كَانَ عَائِدًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا وَقِيلَ يَكُونُ عَائِدًا لِاشْتِغَالِهِ بِالْقَذْفِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ
(فَصْلٌ رَجْعَةُ مَنْ طَلُقَتْ وَلَوْ قَبْلَ الظِّهَارِ عَوْدٌ) سَوَاءٌ أَمْسَكَهَا بَعْدَهَا أَمْ لَا (لَا إسْلَامُ الْمُرْتَدِّ) عَقِبَ الظِّهَارِ فِي الْعَبْدِ فَلَيْسَ عَوْدًا (حَتَّى يُمْسِكَهَا) بَعْدَهُ فَيَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَوْدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ
قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْت مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَرُوحِهَا إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ)
(قَوْلُهُ فَيَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بِهَا) يَعْنِي بِهِ الْمُبَاشَرَةَ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِمَ لَا يُفَرَّقْ بَيْنَ مَنْ تُحَرِّكُ الْقُبْلَةُ أَوْ نَحْوُهَا شَهْوَتَهُ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ؟ وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ إذَا عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَمْتَعَ لَوَطِئَ لِشَبَقِهِ وَرِقَّةِ تَقْوَاهُ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا زَمَنًا يُمْكِنُهُ مُفَارَقَتُهَا فِيهِ) كَأَنْ يَشْرَعَ فِي إيجَارِهَا لَبَنًا تَحْرُمُ بِهِ عَلَيْهِ خَمْسَ مَرَّاتٍ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.
(قَوْلُهُ أَوْ اشْتَرَاهَا مُتَّصِلًا) لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ بَلْ الْمُرَادُ مِلْكُهَا وَهَذَا إذَا مَلَكَهَا بِغَيْرِ الْإِرْثِ مُتَّصِلًا بِالظِّهَارِ
(قَوْلُهُ لَا إنْ عَلَّقَهُ، ثُمَّ ظَاهَرَ وَأَرْدَفَهُ بِالصِّفَةِ إلَخْ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِ الدَّارِ، ثُمَّ ظَاهَرَ وَبَادَرَ بِالدُّخُولِ وَلَكِنْ كَانَتْ الدَّارُ بَعِيدَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَائِدٌ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ بَادَرَ بِالدُّخُولِ عَقِبَ الظِّهَارِ فَلَا عَوْدَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ بَعِيدَةً فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الظِّهَارِ فَهَلْ نَقُولُ لَا يَكُونُ عَائِدًا لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْفِرَاقِ أَوْ نَقُولُ يَكُونُ عَائِدًا لَا سِيَّمَا مَعَ إفْرَاطِ الْبُعْدِ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَكُونُ عَائِدًا.