فَاسِقٍ) أَوْ نَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَجَاهَرْ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ (أَوْ رَجَا بِالْهَجْرِ صَلَاحَ دِينٍ) لِلْهَاجِرِ أَوْ لِلْمَهْجُورِ فَلَا يَحْرُمُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ هَجْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ مُرَارَةَ بْنِ الرَّبِيعِ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَنَهْيُهُ الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ هَجْرِ السَّلَفِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَحَمَلَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ التَّحْرِيمَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِهَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحَ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ إذْ النُّشُوزُ حِينَئِذٍ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ وَذَكَرَ نَحْوُهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَا حُجَّةَ لِلنَّوَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مُدَّعَاهُ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْهَجْرِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَدِّيَ وَالنُّشُوزَ مِمَّا يُسَلِّطُ عَلَى الضَّرْبِ وَالسُّكُوتُ أَهْوَنُ مِنْهُ (فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهَا النُّشُوزُ وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ضَرَبَهَا) لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَتَقْدِيرُهَا وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ فَإِنْ نَشَزْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ وَإِنَّمَا يَضْرِبُهَا (إنْ أَفَادَ) ضَرْبُهَا فِي ظَنِّهِ وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبُهَا وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ.
وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ (وَهُوَ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ) فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُدْمِيًا وَلَا مُبَرِّحًا (وَسَنَذْكُرُهُ بِبَابِهِ وَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ) عَنْ الضَّرْبِ وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى الضَّرْبِ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ لَا عَلَى النَّسْخِ إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ (بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ) فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الْعَفْوِ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلتَّأْدِيبِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ
(فَرْعٌ وَالنُّشُوزُ نَحْوُ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ) إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ (لَا إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ الْحَقِّ مِنْهُ) وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا إلَى اكْتِسَابِهَا النَّفَقَةَ إذَا أَعْسَرَ بِهَا الزَّوْجُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَا إلَى الِاسْتِفْتَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا فَقِيهًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ لَهَا (وَكَمَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ) أَيْ مَنْعِهَا الزَّوْجَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ (وَلَوْ غَيْرَ الْجِمَاعِ لَا) مَنْعِهَا لَهُ مِنْهُ (تَدَلُّلًا وَلَا الشَّتْمِ) لَهُ (وَلَا الْإِيذَاءِ) لَهُ (بِاللِّسَانِ) أَوْ غَيْرِهِ (بَلْ تَأْثَمُ بِهِ) وَتَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ عَلَيْهِ.
(وَيَتَوَلَّى تَأْدِيبَهَا) بِنَفْسِهِ (عَلَى ذَلِكَ) وَلَا يَرْفَعُهَا إلَى الْقَاضِي لِيُؤَدِّبَهَا لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَعَارًا وَتَنْكِيدًا لِلِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا بَعْدُ وَتَوْحِيشًا لِلْقُلُوبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ عِيَادَةِ أَبَوَيْهَا وَمِنْ شُهُودِ جِنَازَتِهِمَا وَجِنَازَةِ وَلَدِهَا وَالْأَوْلَى خِلَافُهُ
(وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مِنْهُ بِأَنْ مَنَعَهَا حَقًّا لَهَا) كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ (أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ إيَّاهُ) لِعَجْزِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ نُشُوزِهَا فَإِنَّ لَهُ إجْبَارَهَا عَلَى إيفَاءِ حَقِّهِ لِقُدْرَتِهِ (وَيَزْجُرُهُ) الْحَاكِمُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَنْهَاهُ (إنْ أَذَاهَا وَضَرَبَهَا بِلَا سَبَبٍ ثُمَّ يُعَزِّرُهُ) إنْ عَادَ وَطَلَبَتْ التَّعْزِيرَ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعَزِّرُهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مَعَ أَنَّ الْإِيذَاءَ بِلَا سَبَبٍ مَعْصِيَةٌ وَكَأَنَّهُ لِأَجْلِ ضَرُورَةِ الْعِشْرَةِ فَقَدْ يَنْتَهِي بِالنَّهْيِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِيحَاشِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيُسْكِنُهُمَا) الْحَاكِمُ (عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ) أَيْ الزَّوْجَ (مِنْ التَّعَدِّي) عَلَيْهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِجَنْبِ ثِقَةٍ قَالَ فِيهِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّعَدِّي مِنْهُمَا جَمِيعًا فَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْحَاكِمُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحَيْلُولَةِ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ يُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعُودَ إلَى الْعَدْلِ قَالَ وَلَا يَعْتَمِدُ قَوْلَهُ فِي الْعَدْلِ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ قَوْلَهَا وَشَهَادَةَ الْقَرَائِنِ انْتَهَى وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَقَالَ إنْ ظَنَّ الْحَاكِمُ تَعَدِّيَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَحَقَّقَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَخَافَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا لِكَوْنِهِ جَسُورًا أَحَالَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ عَدْلٌ إذْ لَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّعْزِيرِ لَرُبَّمَا بَلَغَ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا يُسْتَدْرَكُ انْتَهَى فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيْلُولَةَ أَرَادَ الْحَالَ الْأَوَّلَ وَمَنْ ذَكَرَهَا كَالْغَزَالِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيِّ فِي تَنْقِيحِهِ أَرَادَ الثَّانِيَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ وَالْإِسْكَانِ (فَإِنْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ رُجِيَ بِالْهَجْرِ صَلَاحُ دَيْنٍ لِلْهَاجِرِ) قَالَ شَيْخُنَا أَوْ دُنْيَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّاشِرِيّ فِي نُكَتِهِ (قَوْلُهُ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ) هُوَ دَاخِلٌ فِيمَا اسْتَثْنَوْهُ (قَوْلُهُ وَالسُّكُوتُ أَهْوَنُ مِنْهُ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ مَشَقَّةِ الْهَجْرِ فِي الْكَلَامِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي تَأْدِيبِ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهَا النُّشُوزُ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ضَرَبَهَا، إبَاحَةُ الضَّرْبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وِلَايَةٌ مِنْ الشَّرْعِ لِلزَّوْجِ لِأَخْذِ حَقِّهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ فِيهِ الْمُسْتَحِقُّ مَنْ مَنَعَ حَقَّهُ غَيْرَ هَذَا وَالْعَبْدِ إذَا مَنَعَ حَقَّ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ فِيهِمَا لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزِهَا وَأَنْكَرَتْهُ.
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِصْيَانِهَا لَكِنْ عَارَضَهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ظُلْمِ الزَّوْجِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَالَ وَهَذَا الَّذِي يَقْوَى فِي ظَنِّي لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا فِي ذَلِكَ وَالْوَلِيُّ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ اهـ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ فَتَقْدِيرُهَا وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ إلَخْ) وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى خَوْفِ النُّشُوزِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُهَا قَبْلَ ظُهُورِهِ وَلِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى التَّرْتِيبِ بِأَنْ قَدَّمَ الْوَعْظَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ (قَوْلُهُ وَلَا مُبَرِّحًا) أَيْ وَلَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَهَالِكِ أَيْ يَجِبُ ذَلِكَ وَقَدْ فَسَّرُوا الْبَرَحَ بِاَلَّذِي يُخْشَى مِنْهُ تَلَفُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ التَّأْدِيبَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْمُبَرِّحِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُبَرِّحُ وَلَا غَيْرُهُ
(قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَلَا إلَى الِاسْتِفْتَاءِ إلَخْ) أَيْ أَوْ خَرَجَتْ لِلطَّحْنِ أَوْ الْخَبْزِ أَوْ شِرَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ خَافَتْ مِنْ انْهِدَامِ الْمَنْزِلِ أَوْ جَلَاءِ مَنْ حَوْلِهَا مِنْ الْجِيرَانِ فِي غَيْبَتِهِ أَوْ انْقَضَتْ إجَارَةُ الْمَنْزِلِ أَوْ رَجَعَ مُعِيرُهُ.
(قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ لِأَجَلِ ضَرُورَةِ الْعِشْرَةِ) لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَكْثُرُ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ) تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَحَالَ بَيْنَهُمَا) قَالَ أَبُو شُكَيْلٍ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إدْرَارُ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَاذِلَةٌ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَهَذِهِ الْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ جِهَةِ عُدْوَانِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ جَنَى جِنَايَةً فَحُبِسَ بِسَبَبِهَا (قَوْلُهُ وَفَصَّلَ الْإِمَامُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيْلُولَةَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ