الْبَرْدِ فَبَعِيدٌ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ فَيَلْبِسُهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرَ الْبَرْدِ وَيُرَاقَبُ فِي الْبَيْتِ كَمَا يُرَاقَبُ حَالَ خُرُوجِهِ.
(فَصْلٌ وَلَا يُزَوِّجُ الْوَصِيُّ الطِّفْلَ وَإِنْ أُوصِيَ) لَهُ (بِذَلِكَ) لِمَا مَرَّ (وَلَا يُبَايِعُهُ) بِأَنْ يَبِيعَ مَا لَهُ لِنَفْسِهِ وَعَكْسُهُ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي الْأُولَى وَبِدُونِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ مَعَ زِيَادَةٍ فِي كِتَاب الْحَجْرِ (وَلَا يَبِيعُ مَالَ صَبِيٍّ لِصَبِيٍّ يَلِيَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَقَدْ أَفْتَى الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْوَصِيِّ الْآخَرِ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا لَكِنْ أَطْلَقَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَبِيعَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ (وَتَقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ لَا لَهُ بِمَالِ) كَمَا فِي شَهَادَة الْوَلَدِ (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ (بِمَالٍ وُصِّيَ إلَيْهِ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِنَفْسِهِ وِلَايَةً وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ لَا بِلَوْ لَكَانَ أَنْسَبَ بِقَوْلِ الْأَصْلِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِمَالٍ وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا فِي تَفْرِقَةِ الثُّلُثِ فَقَطْ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَجُوزُ لِمَنْ هُوَ وَصِيٌّ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ أَنْ يَشْهَدَ بِغَيْرِهِ.
(مَسَائِلُ) وَفِي نُسْخَةٍ فَصْلٌ مَسَائِلُهُ (مَنْثُورَةٌ لِلْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ الْمُعْتَادُ) أَيْ أَنْ يُوَكَّلَ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ كَالْوَكِيلِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا وَجْهٌ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي النِّكَاحِ فِي كَلَامِهِ عَلَى تَوْكِيلِ الْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْوِلَايَةِ كَالْأَبِ وَالْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا (وَلَا يُخَالِطُ الطِّفْلَ بِالْمَالِ إلَّا فِي الْمَأْكُولِ كَالدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْإِرْفَاقِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ (وَلَا يَسْتَقِلُّ بِقِسْمَةِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَيْسَ لَهُ تُوَلِّي الطَّرَفَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ إفْرَازُ حَقٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ.
(وَلَوْ بَاعَ لَهُ) شَيْئًا (حَالًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِشْهَادُ) فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَالِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَقَدْ ذَكَرُهُ كَالرَّوْضَةِ فِي آخَرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ الرَّهْنِ (وَلَوْ فَسَقَ الْوَلِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ هَلْ يَبْطُلُ) الْبَيْعُ أَوْ لَا (وَجْهَانِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الثَّانِي وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي جُنُونِ الْعَاقِدِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ وَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ.
(وَيُقَارِضُ بِمَالِهِ) ثِقَةً (وَلَوْ مُسَافِرٌ إنْ أَمِنَ) الطَّرِيقَ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَالْوَلِيُّ مَأْمُورٌ بِهَا وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ مَعَ زِيَادَةٍ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ.
(وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إلَى اللَّهِ) - تَعَالَى - (وَإِلَى زَيْدٍ حُمِلَ) ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ (عَلَى التَّبَرُّكِ) لِظُهُورِ الْمُرَادِ فَتَكُونُ الْوِصَايَةُ إلَى زَيْدٍ وَقِيلَ إلَى زَيْدِ وَالْحَاكِمِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ وَفَارِقُ نَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ حَيْثُ تَصِحُّ فِي النِّصْفِ لِزَيْدٍ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ - لِلَّهِ تَعَالَى - وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَيَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ فَإِذَا شَرَكَ بَيْنَهَا وَبَيْن جِهَةٍ أُخْرَى صَحَّ الْقَوْلُ بِالتَّنْصِيفِ وَأَمَّا الْوِصَايَةُ بِالْأَوْلَادِ إلَيْهِ - تَعَالَى - فَلَيْسَ لَهَا جِهَةٌ صَحِيحَةٌ فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ تَعَالَى وَالتَّبَرُّكِ بِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَلَوْ أَتَى بَدَلَ الْوَاوِ بِثُمَّ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْوِصَايَةَ لِزَيْدٍ قَطْعًا وَفِي وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ وَجَعَلَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ -
قَوْلُهُ: فَيَلْبَسُهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرَ الْبَرْدِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَلَا يُبَايِعُهُ) لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ كَالْوَكِيلِ سَوَاءٌ قَالَهُ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَالْوَكِيلِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ الْمُسْتَقِلِّ فَلَعَلَّ الْمَنْعَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
(فَرْعٌ) فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالُ يَتِيمٍ وَلَيْسَ هُوَ بِوَصِيٍّ وَخَافَ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ ضَيَاعَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي أَمْرِ الطِّفْلِ وَالتَّصَرُّفُ عَلَيْهِ بِالتِّجَارَةِ وَالْإِنْفَاقِ لِلضَّرُورَةِ، وَقَوْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ) لَا فِيمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِمُبَاشَرَةِ مِثْلِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَالْمَعْنَى أَمَّا النَّقْلُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مِنْ يَنُوبُ عَنْهُ كَالْوَصِيِّ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَأَبِي الطِّفْلِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مِنْ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ وَعَنْ الْيَتِيمِ إنْ شَاءَ فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْهُ فِي الْوَكَالَةِ وَقَالَ فِي جَوَازِهِ عَنْ الطِّفْلِ نَظَرٌ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي إطْلَاقِ التَّوْكِيلِ مِنْ الْوَصِيِّ وَمِنْ الْمَنْقُولِ مَا ذَكَرهُ الْإِمَامُ وَالنَّوَوِيُّ وَأَصْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّيْنِ وَهُوَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى صِيغَةٍ لِعَقْدٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ رَأْيِهِمَا فَيَعْقِدَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِإِذْنِهِمَا، وَمِنْ الْمَنْقُولِ أَيْضًا قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ: إنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ كَوِلَايَةِ الْأَبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَوَلِّي طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَالْوِصَايَةِ وَالتَّزْوِيجِ. وَلَمْ يَذْكُرْ التَّوْكِيلَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ مُطْلَقًا.
وَقَدْ صَرَّحَ بِمُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ غَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ: إذَا وَكَّلَ الْوَصِيُّ الْمُطْلَقُ فِي حَيَاتِهِ وَكِيلًا صَالِحًا مَوْثُوقًا بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي اقْتِضَاءً ظَاهِرًا تَجْوِيزَ ذَلِكَ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْقِرَاضِ يُوَكِّلُ وَيَسْتَنِيبُ فِي تَفْصِيلِ تَصَرُّفَاتِهِ وَلَا يُنَصِّبُ مُقَارِضًا وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْغَزَالِيُّ. وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ اسْتِقْلَالُهُ بِالتَّصَرُّفِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ كَالْوَكِيلِ) لَكِنْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ وَقَالَ شَيْخُنَا: الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الثَّانِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الصَّحِيحُ عَدَمُ بُطْلَانِ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ جُنَّ غ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُسَافِرًا) أَيْ فِي الْبَرِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى زَيْدٍ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي أَرْكَانِ الطَّلَاقِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ فِي قَوْلِهِ: أَمْرُ زَوْجَتِي بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِكَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالطَّلَاقِ قَبْلُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَنَّهُ جَعَلَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ قَبْلُ وَاسْتَقَلَّ وَمُقْتَضَاهُ هُنَا وُجُوبُ اسْتِفْسَارِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْقِيَاسُ حَمَلُهُ عَلَى التَّبَرُّكِ لِظُهُورِ الْمُرَادِ حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى التَّصْحِيحِ.