الْمُتَبَرِّعُ فِي مَرَضِهِ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ (مِنْ) مَرَضِهِ (الْمَخُوفِ نُفِّذَ تَبَرُّعِهِ) وَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَرَضَ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا (أَوْ مَاتَ فِي غَيْرِ الْمَخُوفِ وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ) كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ (لَمْ يُنَفَّذْ) تَبَرُّعُهُ بِالزَّائِدِ بِدُونِ إجَازَةٍ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَخُوفٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ مِنْهُ كَوَجَعِ ضِرْسٍ نُفِّذَ تَبَرُّعُهُ وَحُمِلَ مَوْتُهُ عَلَى الْفَجْأَةِ، وَبِهَذِهِ يَتَفَارَقُ الْمَرَضَانِ الْمَخُوفُ وَغَيْرُهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فِي الْمَرَضِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: هَذَا الْمَرَضُ غَيْرُ مَخُوفٍ لَكِنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمَخُوفِ فَمَخُوفٌ، أَوْ يُفْضِي إلَى الْمَخُوفِ نَادِرًا فَلَا، ثُمَّ اُسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِالْحَمْلِ قَبْلَ الطَّلْقِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا (وَالْقَتْلُ) وَالْمَوْتُ بِسُقُوطٍ مِنْ سَطْحٍ أَوْ نَحْوِهِ (فِي) الْمَرَضِ (الْمَخُوفِ كَالْمَوْتِ بِهِ) فَيُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُزِلْ الْمَرَضَ وَإِنَّمَا عَجَّلَ مَا كَانَ مُنْتَظَرًا.

(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّبَرُّعِ الْمَحْسُوبِ مِنْ الثُّلُثِ (إنَّمَا يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ مَا أَزَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ (أَوْ) عَنْ (اخْتِصَاصِهِ) كَكَلْبِ صَيْدٍ وَسَرْجِينٍ (مَجَّانًا) بِخِلَافِ مَا أَزَالَهُ بِعِوَضٍ عَلَى مَا يَأْتِي (فَدُيُونُ اللَّهِ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَدُيُونُ الْآدَمِيِّينَ تَخْرُجُ) بَعْدَ مَوْتِهِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَإِنْ أَوْصَى بِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْذُلْهَا مَجَّانًا (وَلَوْ أَوْصَى بِتَقْدِيمِ غَرِيمٍ) بِدَيْنِهِ عَلَى غَرِيمٍ آخَرَ (لَمْ تُنَفَّذْ) وَصِيَّتُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ التَّرِكَةِ فَفِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا إجْحَافٌ بِالْآخَرِ.

وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَقَضَاءُ الْمَرِيضِ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ عَنْ نَذْرٍ يُنَفَّذُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ (وَلَا) الْأَوْلَى فَلَا (يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَفِ التَّرِكَةُ بِجَمِيعِ الدُّيُونِ، وَكَذَا) يُنَفَّذُ (الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ أَبَاعَ لِوَارِثِهِ أَمْ لِغَرِيمِهِ أَمْ لِغَيْرِهِمَا إذْ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لِلْأَجْنَبِيِّ (فَإِنْ حَابَى الْوَارِثَ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَوَصِيَّةٌ) يَعْنِي فَالزَّائِدُ عَلَى مَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ وَصِيَّةٌ (لَهُ) .

فَلَا يُنَفَّذُ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ (أَوْ) حَابَى (غَيْرَهُ) بِذَلِكَ (حُسِبَتْ) أَيْ الْمُحَابَاةُ الزَّائِدَةُ عَلَى مَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ (مِنْ الثُّلُثِ) فَإِنْ حَابَاهُمَا بِمَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ حُسِبَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَيُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ كُلُّ الثَّمَنِ فِي) وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ بَيْعِ شَيْءٍ بِثَمَنٍ (مُؤَجَّلٍ) حَيْثُ (بَاعَهُ وَمَاتَ قَبْلَ حُلُولِهِ وَإِنْ كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْيَدِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَتَفْوِيتُ الْيَدِ مُلْحَقٌ بِتَفْوِيتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ بِالْحَيْلُولَةِ كَمَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ فَلَيْسَ لَهُ تَفْوِيتُ الْيَدِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَيْسَ لَهُ تَفْوِيتُ الْمَالِ.

(فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ الثُّلُثُ وَرَدَّ الْوَارِثُ مَا زَادَ) عَلَيْهِ (فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَالْإِجَازَةِ فِي الثُّلُثِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِتَشْقِيصِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (فَلَوْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَزِدْ بِهِ) أَيْ بِفِعْلِهِ الْإِجَازَةَ (الْمَالُ) الَّذِي صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ لِانْقِطَاعِ الْبَيْعِ بِالرَّدِّ (وَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ الْمَرِيضُ امْرَأَةً (بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَهْرِ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَوَرِثَتْهُ فَالزَّائِدُ) عَلَيْهِ (وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ) فَلَا تُنَفَّذُ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ (وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ وَارِثَةٍ) كَذِمِّيَّةٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَكَمُكَاتَبَةٍ (فَمِنْ الثُّلُثِ) يُحْسَبُ الزَّائِدُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ نُفِّذَ التَّبَرُّعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَةٍ إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّبَرُّعِ وَالْإِرْثِ (فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَإِنْ وَسِعَ الثُّلُثُ الزِّيَادَةَ أَخَذَتْهَا) وَرَثَتُهَا وَارِثًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ لَا لِذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الزِّيَادَةِ وَوَرِثَهَا الزَّوْجُ (حَصَلَ الدُّورُ) .

لِأَنَّهُ يَرِثُ مِنْهَا فَيَزِيدُ مَالُهُ فَيَزِيدُ مَا يَنْفُذُ مِنْ التَّبَرُّعِ فَيَزِيدُ مَا يَرِثُهُ فَيُسْتَخْرَجُ بِطَرِيقَةِ فَلَوْ أَصْدَقَهَا فِي مَرَضِهِ مِائَةً، وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَرْبَعُونَ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ وَلَا مَالَ لَهُمَا غَيْرُ الصَّدَاقِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَرْبَعُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَهَا شَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ يَبْقَى مَعَ الزَّوْجِ سِتُّونَ إلَّا شَيْئًا وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ نِصْفُ مَالِهَا عِشْرُونَ وَنِصْفُ شَيْءٍ فَالْمَبْلَغُ ثَمَانُونَ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ضَعْفَ الْمُحَابَاةِ فَبَعْدَ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ يَعْدِلُ ثَمَانُونَ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ، فَالشَّيْءُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، فَلَهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ: أَرْبَعُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْبَاقِي مُحَابَاةً، يَبْقَى مَعَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، فَيَجْتَمِعُ لِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ ضِعْفَ الْمُحَابَاةِ، أَمَّا إذَا نَكَحَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرِيضَةُ بِأَقَلَّ) مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (وَوَرِثَهَا) الزَّوْجُ (فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ) فَلِبَقِيَّةِ وَرَثَتِهَا طَلَبُ تَكْمِيلِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَإِنْ لَمْ يَرِثْهَا) كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهَا أَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ (لَمْ يُعْتَبَرْ النَّقْصُ مِنْ الثُّلُثِ) . فَلَا يُكَمَّلُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ وَصِيَّةً مِنْهَا فِي حَقِّهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَرْعٌ بَرِئَ الْمَرِيضُ الْمُتَبَرِّعُ فِي مَرَضِهِ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَرَضِهِ الْمَخُوفِ]

قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ فِي غَيْرِ الْمَخُوفِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي حُكْمِنَا بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ مَعَ أَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ أُلْحِقَ بِالْمَخُوفِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إذَا قَتَلَهُ قَاتِلٌ أَوْ غَرِقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَخُوفًا ثُمَّ قُتِلَ أَوْ غَرِقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ.

[فَصْلٌ بَيَانِ التَّبَرُّعِ الْمَحْسُوبِ مِنْ الثُّلُثِ]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَابَى الْوَارِثُ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَوَصِيَّةٌ) أَيْ فَمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ وَصِيَّةٌ (قَوْلُهُ: صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ) وَهُوَ مَدْلُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَيُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ كُلُّ الثَّمَنِ فِي مُؤَجَّلٍ بَاعَهُ وَمَاتَ قَبْلَ حُلُولِهِ إلَخْ) لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي وَارِثًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا خُذُوا مِنِّي الثَّمَنَ حَالًا أُجِيبَ إلَيْهِ خَرَّجْتَهُ مِنْ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرِيضَةُ بِأَقَلَّ إلَخْ) لَوْ زَوَّجَ الْمَرِيضُ أَمَتَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهَلْ نَقُولُ هُوَ كَمَا لَوْ نُكِحَتْ الْمَرِيضَةُ مَنْ لَا يَرِثُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَكُونُ النُّقْصَانُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ؟ أَوْ نَقُولُ: هُوَ كَمَا لَوْ أَجَرَ عَبْدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَيُحْسَبُ التَّفَاوُتُ مِنْ الثُّلُثِ؟ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ فِيهِ أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهَا تَنْقُصُ بِالتَّزْوِيجِ قِيمَتُهَا، فَإِذَا حَسَبْنَا مِنْ الثُّلُثِ مَا يَكُونُ الْمَحْسُوبُ؟ هَذَا كُلُّهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْيَسُ أَنْ يَحْسَبَ النُّقْصَانُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015