الثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الثَّالِثِ سِتَّةٌ فَيَجْتَمِعُ لَهَا تِسْعَةٌ وَهَذَا النَّوْعُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مَعَ نَوْعٍ آخَرَ وَفَصْلٍ يَشْتَمِلُ عَلَى الْقَرَابَاتِ الْمُشْتَبِهَةِ مِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ فَكُلٌّ ابْنُ عَمِّ الْآخَرِ لِأُمِّهِ وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالُ الْآخَرِ هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَوُلِدَ لَهُمَا ابْنَانِ فَكُلُّ ابْنٍ خَالُ الْآخَرِ وَمِنْهَا رَجُلٌ وَهُوَ ابْنُ عَمٍّ ابْنِ أَخِي عَمِّ أَبِيهِ فَهَذَا ابْنُ عَمِّ أَبِي الْمَيِّتِ لِأَنَّ ابْنَ أَخِي عَمِّ الْأَبِ هُوَ الْأَبُ فَابْنُ عَمِّهِ هُوَ ابْنُ عَمِّ الْأَبِ
(كِتَابُ الْوَصَايَا) جَمْعُ وَصِيَّةٍ بِمَعْنَى إيصَاءٍ يُقَالُ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَوَصَّيْت لَهُ وَأَوْصَى إلَيْهِ إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا وَهِيَ لُغَةً الْإِيصَالُ مِنْ وَصَّى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ وَشَرْعًا تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ وَإِنْ الْتَحَقَا بِهَا حُكْمًا كَالتَّبَرُّعِ الْمُنْجَزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ الْمُلْتَحِقَ بِهِ
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» أَيْ مَا الْجَزْمُ أَوْ مَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الْأَخْلَاقِ إلَّا هَذَا فَقَدْ يُفَاجِئُهُ الْمَوْتُ وَكَخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ «الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْوَصِيَّةَ مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَتُقًى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ»
وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً لِلْأَقَارِبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] الْآيَةُ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْآتِي (الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ) تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ (أَوْ) حَقٌّ (لِآدَمِيَّيْنِ) كَوَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ (بِلَا شُهُودٍ) بِالْحَقِّ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهِ شُهُودٌ فَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُمْ كِتْمَانُهُ كَالْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي لَكِنَّ الْقِيَاسَ تَخْرِيجُهُ عَلَى تَوْكِيلِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَضَاءُ الْوَكِيلِ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِذَلِكَ أَيْ وَإِنْ كَانَ حَقًّا مَالِيًّا وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْحَقِّ فِي جَانِبِ الْآدَمِيِّينَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ فِيهِ بِالدَّيْنِ.
(وَهِيَ بِالتَّطَوُّعِ) أَيْ بِمَا يُتَطَوَّعُ بِهِ (مُسْتَحَبَّةٌ وَلَوْ قَلَّ الْمَالُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَا يُعَارِضُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَشْطِيرِ الصَّدَاقِ فَقَالَ وَالتَّدْبِيرُ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ دُونَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ فِي أَظْهَرِ الْأَوْجُهِ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ لَيْسَ عَقْدَ قُرْبَةٍ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ قَالَ وَمُرَادُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا قُرْبَةً وَالْإِيصَاءُ قَدْ يَكُونُ قُرْبَةً كَمَا فِي مِثَالِنَا وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالْإِيصَاءِ لِلْأَغْنِيَاءِ (وَصَدَقَتُهُ صَحِيحًا ثُمَّ حَيًّا أَفْضَلُ) مِنْ صَدَقَتِهِ مَرِيضًا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ» قُلْت لِفُلَانٍ كَذَا وَأَفَادَ بِثُمَّ أَنَّ صَدَقَةَ الصَّحِيحِ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ الْمَرِيضِ.
(فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ غَيْرِ الْوَارِثِ فَالْأَقْرَبُ ثُمَّ ذِي رَضَاعٍ ثُمَّ صِهْرٍ ثُمَّ) ذِي (وَلَاءٍ ثُمَّ) ذِي (جِوَارٍ أَفْضَلُ) مِنْهَا لِغَيْرِهِ كَمَا فِي الصَّدَقَةِ الْمُنْجَزَةِ وَتَقَدَّمَ فِيهَا أَنَّ الْقَرِيبَ الْبَعِيدَ يُقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَنَّ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِمَّنْ ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَنْبَغِي مَجِيئُهُمَا هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي الْأَوَّلِ أَمَّا الْوَارِثُ فَلَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَحَارِمِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ وَعِبَارَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ لَا يَرِثُ مِنْ قَرَابَتِهِ وَيُقَدِّمَ مِنْهُمْ الْمَحَارِمَ ثُمَّ غَيْرَ الْمَحَارِمِ ثُمَّ يُقَدِّمَ بِالرَّضَاعِ إلَى آخِرِهِ
(وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ) مُوصٍ وَمُوصًى لَهُ وَمُوصًى بِهِ وَصِيغَةٌ (الْأَوَّلُ الْمُوصِي وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ) وَالِاخْتِيَارُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ (فَتَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ) وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ (لَا) مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ إلَّا السَّكْرَانَ وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ وَ (عَبْدٍ مُكَاتَبٍ) لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ (وَلَوْ مَاتَ حُرًّا) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ بُطْلَانُ وَصِيَّةِ الْمُبَعَّضِ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ يُورَثُ
كِتَابُ الْوَصَايَا) ذَكَرَهَا إثْرَ الْفَرَائِضِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعَلُّقِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتَقْدِيمُهَا أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ فَنُقَسِّمُ تَرِكَتَهُ. اهـ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْوَصَايَا عَنْ الْفَرَائِضِ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَلْزَمُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا إذَا كَانَتْ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَالِ وَلَا مَعْرِفَةُ قَدْرِ ثُلُثِهِ الَّذِي تُنَفَّذُ فِيهِ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَةُ الْوَارِثِ لَهَا إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ
(قَوْلُهُ: أَوْ حَقٌّ لِآدَمِيِّينَ كَوَدِيعَةٍ إلَخْ) وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فِي الْحَالِ كَمَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ: وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْهُمْ كِتْمَانَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ: فَيَكْتَفِي فِيهِ بِذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِيصَاءَ لَيْسَ عَقْدَ قُرْبَةٍ) يَعْنِي لَيْسَ بِقُرْبَةٍ نَاجِزَةٍ وَإِلَّا فَالْمُوصَى بِهِ قُرْبَةٌ قَطْعًا، وَهَذَا كَمَا أَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ أَوْ الْمَنْعُ، وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ قُرْبَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ يَكُونُ قُرْبَةً قَطْعًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ عَلَى إخْرَاجِهِ بِقَوْلِهِ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] وَنَفْسُ النَّذْرِ لَا يَكُونُ قُرْبَةً حَتَّى اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ.
ت (قَوْلُهُ: وَالْحُرِّيَّةُ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِصِحَّةِ وَصِيَّةِ الْمُبَعَّضِ وَالْخَطَّابِيَّةُ فِي الْبَحْرِ وَابْنُ السَّرَّاجِ فِي شَرْحِهِ وَالْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ وَغَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ بِدَلِيلِ قَبُولِ إقْرَارِهِ بِالْعُقُوبَةِ وَنُفُوذِ طَلَاقِهِ وَلِاحْتِيَاجِهِ إلَى الثَّوَابِ، وَفَقْدِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْحَجْرُ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) وَفِي مَعْنَاهُمَا مَنْ عَايَنَ الْمَوْتَ إذْ لَا قَوْلَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَعَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ التَّوَارُثُ وَالْعَبْدُ لَا يُورَثُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ) أَيْ: فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهَا صَحَّتْ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ كَوْنِهِ يُورَثُ الصِّحَّةُ. . . إلَخْ) أَيْ كَمَا يَهَبُ وَيَعْتِقُ، وَكَتَبَ أَيْضًا: جَزَمَ بِصِحَّتِهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَالْخَطَّابِيَّةُ وَابْنُ السَّرَّاجِ وَالْبُلْقِينِيُّ وَمَنْ كَانَ حُرًّا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ سُبِيَ وَاسْتُرِقَّ، وَكَانَ الْمَالُ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ فَالظَّاهِرُ بَقَاءُ الْوَصِيَّةِ.