[كِتَابُ الْفَرَائِضِ] [الْبَاب الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَرَثَةِ وَقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ، وَالْحَبْرُ الْهُمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ - فَسَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَبْرِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِهِ وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
(كِتَابُ الْفَرَائِضِ) هِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ أَيْ: مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْفَرْضُ لُغَةً: التَّقْدِيرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ) (كِتَابُ الْفَرَائِضِ)
(قَوْلُهُ: وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ) الْفَرْضُ لُغَةً يَجِيءُ لِمَعَانٍ مِنْهَا: الْقَطْعُ وَالْحَزُّ كَفَرْضِ الْقَوْسِ إذَا خَرَّ طَرَفُهَا، وَمِنْهَا التَّقْدِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَمِنْهَا: الْإِنْزَالُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85] وَمِنْهَا الْبَيَانُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] بِالتَّخْفِيفِ، وَمِنْهَا الْإِيجَابُ وَالْإِلْزَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] أَيْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِنَّ الْإِحْرَامَ وَمِنْهَا: الْعَطِيَّةُ يُقَالُ فَرَضْتُ الرَّجُلَ وَأَفْرَضْتُهُ إذَا أَعْطَيْتُهُ، وَمِنْهَا الْإِحْلَالُ {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 38] أَيْ فِيمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَمِنْهَا: الْقِرَاءَةُ فَرَضْتُ حِزْبِي أَيْ قَرَأْتُهُ وَمِنْهَا: السُّنَّةُ كَفَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ سَنَّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْمَعَانِي أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَهُوَ التَّقْدِيرُ فَيَكُونُ مَقُولًا عَلَيْهَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ بِالتَّوَاطُؤِ، وَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةٌ فِي الْقَطْعِ مَجَازًا فِي غَيْرِهِ لِتَصْرِيحِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِأَنَّهُ أَصْلُهُ، وَسُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ بِالْفَرَائِضِ لِمَا فِيهِ مِنْ سِهَامٍ مُقْتَطَعَةٍ لِلْوَرَثَةِ قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَهَا وَبَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ وَأَوْجَبَهَا لَهُمْ عَطِيَّةً مِنْهُ وَأَحَلَّهَا لَهُمْ وَتَعْرِيفُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ وَالْعِلْمُ الْمُوَصِّلُ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ مِنْ التَّرِكَةِ فَحَقِيقَتُهُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْفِقْهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِرْثِ، وَمِنْ الْحِسَابِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا ذَكَرَ.
فَقَوْلُنَا الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ أَيْ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَرُتْبَةً فَشَمِلَ قَوْلُنَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا الْفِقْهَ الْبَاحِثَ عَنْ تَمْيِيزِ مَنْ يَرِثُ مِمَّنْ لَا يَرِثُ وَعَنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَشُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ وَعَنْ أَحْوَالِ مَنْ يَرِثُ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا فَرْضًا وَعُصُوبَةً وَحَجْبًا وَعَنْ قَدْرِ الْفَرْضِ وَأَحْوَالِهِ اتِّحَادًا وَاخْتِلَافًا خَالِيًا عَنْ الْعَوْلِ وَالرِّدْء وَمُلْتَبِسًا بِأَحَدِهِمَا وَعَنْ أَحْوَالِ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الْعُصُوبَةُ وَالرَّدْءِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ، وَعَنْ مَرَاتِبِ الْعَصَبَةِ وَعَنْ أَحْوَالِ اجْتِمَاعِ جِهَتَيْ فَرْضٍ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ جِهَتَيْ تَعْصِيبٍ أَوْ جِهَتَيْ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ وَعَنْ أَحْوَالِ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ فَقَطْ أَوْ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ أَوْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ وَعَدَمِهِ، وَعَنْ أَحْوَالِ الْحَجْبِ هَلْ هُوَ نُقْصَانٌ أَوْ حِرْمَانٌ وَهَلْ الْحِرْمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ فِي الْحَالِ، وَعَنْ مُوجِبِ ذَلِكَ هَلْ هُوَ تَقَدُّمُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ أَوْ قِيَامُ الْمَانِعِ بِهِ أَوْ انْقِطَاعُ السَّبَبِ أَوْ الشَّكُّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَشَمِلَ قَوْلُنَا: وَرُتْبَةً الْفِقْهَ الْبَاحِثَ عَنْ رُتْبَةِ الْإِرْثِ، وَأَنَّ ثُبُوتَهُ مِنْ بَعْدِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ، وَمُؤَنِ التَّجْهِيزِ، وَالْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، وَشَمِلَ عِلْمُ الْحِسَابِ عِلْمَ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، وَشَمِلَ الْحَقُّ الْإِرْثَ وَغَيْرَهُ كَالْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَالْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ.
فَيَدْخُلُ عِلْمُ الْوَصَايَا فِي الْفَرَائِضِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَوْضُوعُهُ التَّرِكَاتُ أَيْ: أَخْذُهَا وَتَنَاوُلُهَا، وَقَالَ الصُّورِيُّ الْمَالِكِيُّ مَوْضُوعُهُ الْعَدَدُ قَالَ ابْنُ الْهَائِمِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَرَائِضِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْفِقْهِ وَالْحِسَابِ، وَالْعَدَدُ مَوْضُوعُ الْحِسَابِ فَلَا يَكُونُ مَوْضُوعًا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِلْمٍ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ بِمَوْضُوعِهِ كَمَا يَتَمَيَّزُ بِتَعْرِيفِهِ وَتَعْرِيفُ كُلِّ عِلْمٍ لَا يَكُونُ تَعْرِيفًا لِغَيْرِهِ فَكَذَا مَوْضُوعُهُ وَإِلَّا لَزِمَ خَلْطُ