مَا يَرَاهُ لَا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَهُوَ سَهْوٌ نَشَأَ مِنْ تَقْدِيمِهِ بَيْتَ الْمَالِ وَزِيَادَتِهِ " فَإِنْ بَلَغَ "، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَضَى مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ، وَالْغَارِمِينَ أَيْ لَا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِاغْتِنَائِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ حَصَلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَيَسَارِهِ قَضَى مِنْهُ لَكِنْ فِي تَقْيِيدِهِ هَذَا بِقَبْلِ بُلُوغِهِ نَظَرٌ وَاسْتُشْكِلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ بِأَنَّهُمَا لَا يُقْضَى دَيْنُهُمَا مِنْ ذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا قَدْرُ كِفَايَتِهِمَا، أَوْ مَا فَوْقَهَا فَيَمْلِكَانِ الْمَصْرُوفَ، وَإِذَا مَلَكَاهُ صُرِفَ الْفَاضِلُ عَنْ قَدْرِ كِفَايَتِهِمَا إلَى الدَّيْنِ.
(تَنْبِيهٌ)
لَوْ كَانَ ثَمَّ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ هَلْ يُنْفَقُ عَلَى اللَّقِيطِ مِنْهُ مُقَدَّمًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَوْقُوفِ عَلَى اللُّقَطَاءِ أَوْ لَا.؟ قَالَ السُّبْكِيُّ فِيهِ احْتِمَالَانِ عِنْدِي أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْفَقْرِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّرْفِ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ تَحَقُّقُهُ بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُ الْحَالِ (وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُلْتَقِطِ فِي الْإِنْفَاقِ) عَلَى اللَّقِيطِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إذَا اُحْتِيجَ لِلِاقْتِرَاضِ لَهُ (لِيَرْجِعَ) بِهِ وَمِثْلُهُ وَاجِدُ الضَّالَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (وَلَوْ كَانَ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مَالٌ اسْتَقَلَّ الْمُلْتَقِطُ بِحِفْظِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ كَحِفْظِهِ اللَّقِيطَ بَلْ أَوْلَى، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْعَدْلِ الَّذِي يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلَا يُخَاصِمُ لَوْ نُوزِعَ فِيهِ) إلَّا بِوِلَايَةٍ مِنْ الْقَاضِي كَالْمُودَعِ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ) مِنْهُ (بِإِذْنِ الْقَاضِي) إنْ وَجَدَهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَالِ لَا تَثْبُتُ لِقَرِيبٍ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَاتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا بَلْ هُوَ كَقَيِّمِ الْيَتِيمِ يَأْذَنُ لَهُ الْقَاضِي فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ (فَإِنْ اسْتَقَلَّ) بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْهُ (ضَمِنَ كَمَا لَوْ أَنْفَقَ وَدِيعَةَ يَتِيمٍ) كَانَتْ عِنْدَهُ (عَلَيْهِ) اسْتِقْلَالًا نَعَمْ إنْ كَانَ مَالُهُ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ لَهُ فَأَكَلَهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى (وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِغَيْرِ الْمُلْتَقِطِ فِي الْإِنْفَاقِ) عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ (فَأَسْرَفَ ضَمِنَ الزَّائِدَ) أَوْ قَتَّرَ عَلَيْهِ مُنِعَ مِنْهُ (وَإِنْ كَانَ) قَدْ (سَلَّمَهُ) أَيْ مَا أَنْفَقَ عَلَى اللَّقِيطِ (إلَى الْمُلْتَقِطِ فَقَرَارُ) ضَمَانِ (الزَّائِدِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ) لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ (وَنَزَعَهُ) أَيْ مَالَ اللَّقِيطِ (الْحَاكِمُ) مِنْ الْمُلْتَقِطِ إنْ شَاءَ بِقَرِينَةِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِحِفْظِ مَالِ اللَّقِيطِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ (فِي دَعْوَى إنْفَاقٍ) عَلَيْهِ (بِالْإِذْنِ) لِقَدْرٍ (لَائِقٍ) بِالْحَالِ إذَا نُوزِعَ فِيهِ (فَإِنْ ادَّعَى فَوْقَهُ) أَيْ اللَّائِقِ (ضَمِنَ الزَّائِدَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفْرِيطِهِ لَكِنْ لَوْ ادَّعَى إنْفَاقَ عَيْنٍ صُدِّقَ لِتَنْقَطِعَ الْمُطَالَبَةُ بِهَا، ثُمَّ يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ (وَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ " وَإِذَا " (لَمْ يَكُنْ) ثَمَّ (قَاضٍ أَنْفَقَ) الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ (مِنْهُ) لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ إلَى أَمِينٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ (وَأَشْهَدَ) وُجُوبًا بِالْإِنْفَاقِ كُلَّ مَرَّةٍ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي مُجَلِّيٍّ، وَفِيهِ حَرَجٌ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ.
(وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ وُجِدَ) اللَّقِيطُ (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) بِأَنْ يَسْكُنَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ (أَوْ كَانَتْ لِلْإِسْلَامِ) بِأَنْ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ الْكُفَّارِ أَوْ كَانُوا يَسْكُنُونَهَا، ثُمَّ جَلَّاهُمْ الْكُفَّارُ عَنْهَا (وَفِيهَا مُسْلِمٌ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ وَلَدَهُ وَلَوْ نَفَاهُ، أَوْ كَانَ تَاجِرًا، أَوْ أَسِيرًا (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ خَبَرُ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْطُوفَةَ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ دَارَ إسْلَامٍ وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْلُ بِإِنَّ الْجَمِيعَ دَارُ إسْلَامٍ (وَكَذَا) يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِذَلِكَ لَوْ وُجِدَ (فِي دَارٍ كُفْرٍ وَفِيهَا مُسْلِمٌ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ (فَكَافِرٌ) إذْ لَا مُسْلِمَ يَحْتَمِلُ إلْحَاقَهُ بِهِ (وَلَا أَثَرَ لِعَابِرِي السَّبِيلِ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا لَا أَثَرَ لِلْمَحْبُوسِينَ فِي الْمَطَامِيرِ (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ أَهْلُ الْبُقْعَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّرْفِ إلَخْ) قَالَ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْوَقْفِ مَا يُعَضِّدُهُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْعَدْلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَهُ) وَإِلَّا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِحِفْظِ مَالِ اللَّقِيطِ) (فَائِدَةٌ) جَوَازُ اسْتِقْلَالِهِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا أَدَامَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ الْحَاكِمُ لَا يَضْمَنُهُ.
(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. .
[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ اللَّقِيطِ]
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ لِلْإِسْلَامِ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ لَيْسَ فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ ظَاهِرًا، أَوْ بَاطِنًا، وَإِلَّا فَفِي الظَّاهِرِ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنَّمَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي الْقَرْيَةِ مُسْلِمٌ أَمَّا إذَا كَانَ جَمِيعُ مَنْ فِيهَا كُفَّارًا فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ سُلِّمَ هَذَا وَجَبَ رَدُّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " فِيهَا مُسْلِمٌ " إلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ وَلَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِبَرِّيَّةٍ فَمُسْلِمٌ كَمَا حَكَاهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ جَدِّهِ تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا كَانَتْ بَرِّيَّةَ دَارِنَا، أَوْ بَرِّيَّةً لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا أَمَّا بَرِّيَّةُ دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي لَا يَطْرُقُهَا مُسْلِمٌ فَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ وَلَدَهُ) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَإِنْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ) أَيْ وَالدَّارَقُطْنِيّ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِعَابِرِي السَّبِيلِ) قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَلَوْ مُجْتَازًا تَغْلِيبًا لِحُرْمَتِهَا وَكَذَا عَبَّرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مَعَ تَعْبِيرِهِ فِي دَارِ الْكُفْرِ بِالسَّكَنِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ اعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمٌ بِمِصْرٍ وَاحِدٍ عَظِيمٍ بِدَارِ الْحَرْبِ وَوَجَدَ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ لَقِيطٍ مَثَلًا أَنَّا نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِمْ وَهَذَا إنْ كَانَ لِأَجْلِ تَبَعِيَّةِ الْإِسْلَامِ كَالسَّابِي، أَوْ كَدَارِنَا فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ الْمَوْجُودُ امْرَأَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى