عَنْ بَعْضِ التَّصَانِيفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِمَامِ تَفْرِيعٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجَعَالَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا لَكِنْ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ خِلَافَهُ.
(فَرْعٌ يَدُ الْعَامِلِ) عَلَى مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ (يَدُ أَمَانَةٍ فَإِنْ خَلَّاهُ بِتَفْرِيطٍ) كَأَنْ خَلَّاهُ بِمَضْيَعَةٍ (ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ خَلَّاهُ بِلَا تَفْرِيطٍ كَأَنْ خَلَّاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَضْمَنْ (وَإِنْ أَنْفَقَ) عَلَيْهِ مُدَّةَ الرَّدِّ (فَمُتَبَرِّعٌ) إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ يَشْهَدَ عِنْدَ فَقْدِهِ لِيَرْجِعَ (وَمَنْ وَجَدَ مَرِيضًا) عَاجِزًا عَنْ السَّيْرِ (بِبَادِيَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا (لَزِمَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ لَا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ) أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (وَإِذَا أَقَامَ) مَعَهُ (فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَلَوْ مَاتَ) الْمَرِيضُ (أَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا حَمْلُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَمْلُ وَإِنْ جَازَ لَهُ (وَلَا يَضْمَنُهُ) فِي الْحَالَيْنِ وَلَيْسَ حُكْمُ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَيِّتِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِوَرَثَتِهِ فِي حَيَاتِهِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ.
(وَالْحَاكِمُ يَحْبِسُ الْآبِقَ) إذْ وَجَدَهُ انْتِظَارًا (لِسَيِّدِهِ فَإِنْ أَبْطَأَ) سَيِّدُهُ (بَاعَهُ) الْحَاكِمُ (وَحَفِظَ ثَمَنَهُ) فَإِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ (وَإِنْ سَرَقَ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ) .
(خَاتِمَةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَوْ تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ.
(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ، الْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِهِ «مَنْ عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخَبَرِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (هُوَ مُسْتَحَبٌّ) لِخَبَرِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْمَوَاتُ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعْمَرْ أَوْ عُمِرَتْ جَاهِلِيَّةً وَلَا هِيَ حَرِيمٌ لِمَعْمُورٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي وَلَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْيِ الْعِمَارَةِ التَّحَقُّقُ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ تَحَقُّقِهَا بِأَنْ لَا يُرَى أَثَرُهَا وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنْ أُصُولِ شَجَرٍ وَنَهْرٍ وَجُدُرٍ وَآثَارِ أَوْتَادٍ وَنَحْوِهَا (وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ) وَنَحْوِهَا (فَإِنْ كَانَتْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فَلِلْمُسْلِمِ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الْإِمَامُ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَلَوْ كَانَ بِالْأَرْضِ أَثَرُ عِمَارَةِ جَاهِلِيَّةٍ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا فَكَذَلِكَ) أَيْ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوَاتًا كَالرِّكَازِ وَلِخَبَرِ «عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي» أَيْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (أَوْ) كَانَ بِهَا أَثَرُ عِمَارَةٍ (إسْلَامِيَّةٍ فَأَمْرُهَا إلَى الْإِمَامِ) فِي حِفْظِهَا أَوْ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا إلَى ظُهُورِ مَالِكِهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ أَمَّا إذَا عُرِفَ مَالِكُهَا فَهِيَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ وَلَا تُمَلَّكُ بِالْإِحْيَاءِ نَعَمْ إنْ أَعْرَضَ عَنْهَا الْكَافِرُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مُلِّكَتْ بِالْإِحْيَاءِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ (وَإِنْ أَحْيَا ذِمِّيٌّ أَرْضًا مَيْتَةً)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَرْعٌ يَدُ الْعَامِلِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ يَدُ أَمَانَةٍ]
قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْفَقَ فَمُتَبَرِّعٌ) لَوْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْآبِقِ إلَّا بِبَيْعِ بَعْضِهِ وَلِإِنْفَاقٍ عَلَيْهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ رُكُوبُ الْبَعِيرِ الْمَرْدُودِ فَإِنْ رَكِبَهُ ضَمِنَ.
(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) (قَوْلُهُ: «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ) الْعِرْقُ أَرْبَعَةٌ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ وَالْبِئْرُ وَالنَّهْرُ وَاعْلَمْ أَنَّ بِقَاعَ الْأَرْضِ إمَّا مَمْلُوكَةٌ أَوْ مَحْبُوسَةٌ عَلَى الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ، وَإِمَّا مُنْفَكَّةٌ عَنْ الْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَهِيَ الْمَوَاتُ وَرُوِيَ عِرْقٌ مُضَافًا وَمُنَوَّنًا وَصَوَّبَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ) أَوْ رَقِيقًا (قَوْلُهُ: تَمَلَّكَهَا بِالْإِحْيَاءِ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ مَوَاتًا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ حَتَّى فُتِحَ وَوُقِفَ ثُمَّ أَحْيَاهُ مُحْيٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّمَلُّكِ يُفْهَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يَمْلِكَانِ وَلَا يَمْتَلِكَانِ لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اصْطِيَادُهُ وَاحْتِطَابُهُ أَوْ وَجَدَ رِكَازًا أَوْ اسْتَخْرَجَ مَعْدِنًا كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت الْمُتَوَلِّيَ صَرَّحَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ) نَعَمْ لَوْ حَمَى الْإِمَامُ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ مَوْضِعًا ثُمَّ نَقَضَهُ وَقُلْنَا بِجَوَازِ نَقْضِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ إحْيَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِهِ.
(تَنْبِيهٌ) الْقَصْدُ إلَى الْإِحْيَاءِ هَلْ يُعْتَبَرُ لِحُصُولِ الْمِلْكِ قَالَ الْإِمَامُ مَا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْعَادَةِ إلَّا لِلتَّمْلِيكِ كَبِنَاءِ دَارٍ وَاِتِّخَاذِ بُسْتَانٍ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ وَمَا يَفْعَلُهُ لِلتَّمْلِيكِ وَغَيْرِهِ كَحَفْرِ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ وَزِرَاعَةِ بُقْعَةٍ مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَاءِ السَّمَاءِ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدٌ أَفَادَ الْمِلْكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. اهـ. أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ) زِيَادَةُ «أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ» رَوَاهَا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا تُعْرَفُ لَكِنْ يُعَضِّدُهَا رِوَايَةُ النَّسَائِيّ عَنْ جَابِرٍ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ» (قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا) أَوْ اسْتِقْرَاضِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إقْطَاعِهَا مِنْ أَهْلِ الْمَصَالِحِ، وَالْإِقْطَاعُ شَرْطٌ فِي إحْيَائِهَا وَقَاضِي الْبُقْعَةِ كَالْإِمَامِ (قَوْلُهُ: إلَى ظُهُورِ مَالِكِهَا) نَقَلَ فِي الْخَادِمِ عَنْ قَوَاعِدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَحَلَّ حِفْظِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ مَا إذَا تَوَقَّعَ وَإِلَّا صَارَ مَصْرُوفًا إلَى مَصَارِيفِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي التَّلْقِينِ وَلَوْ خَرِبَتْ قَرْيَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَعَطَّلَتْ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا فَهَلْ لِلْإِمَامِ إعْطَاؤُهَا لِمَنْ يَعْمُرُهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَكُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ وَلَا يُرْجَى ظُهُورُهُ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ كَسَائِرِ بَيْتِ الْمَالِ وَهَلْ يَجُوزُ إقْطَاعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ جَوَازَهُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) أَيْ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(تَنْبِيهٌ) فَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ هَلْ هِيَ إسْلَامِيَّةٌ أَوْ جَاهِلِيَّةٌ قَالَ الكوهكيلوني فَظَاهِرُ لَفْظِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الْإِحْيَاءُ وَظَنِّي أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ صَرِيحَ نَقْلٍ فِيهِ. اهـ. إذَا شَكَكْنَا فِي مَعْمُورٍ هَلْ هُوَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمَطْلَبِ عَنْ ابْنِ دَاوُد ثُمَّ قَالَ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي الرِّكَازِ الَّذِي جُهِلَ