مَذْكُورٌ فِي الْبَيْعِ وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْقَوْلَ بِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ انْتَهَى وَعَلَى الْإِطْلَاقِ جَرَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بَلْ صَرَّحَ بِمُقْتَضَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَكَذَا الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى فَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ وَعَلَى مَا إذَا أَجَّرَ أَرْضًا فَغَرِقَتْ بِسَيْلٍ وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي مَنْعَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْدُومٍ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ فَاغْتُفِرَ فِيهَا الْفَسْخُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَهَذَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ (وَحَيْثُ امْتَنَعَ الْفَسْخُ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَأَنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ (فَلَهُ الْأَرْشُ) وَهُوَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا (وَتُبْدَلُ) الْعَيْنُ الْمَعِيبَةُ (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) وَلَا فَسْخَ فِيهَا نَعَمْ إنْ عَجَزَ عَنْ إبْدَالِهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ كَمَا مَرَّ وَلَوْ قُيِّدَتْ بِمُدَّةٍ وَانْقَضَتْ انْفَسَخَتْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(فَصْلٌ: وَإِنْ مَرِضَ مُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةِ) إجَارَةَ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ (أَوْ تَلِفَ مَتَاعُهُ) أَوْ مَرِضَ الْمُؤَجِّرُ وَعَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ مَعَ الدَّابَّةِ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ الْأَعْذَارِ (لَمْ تَنْفَسِخْ) أَيْ الْإِجَارَةُ (فِي الْبَاقِي) مِنْ الْمُدَّةِ إذْ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ (وَكَذَا) لَا يَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي (إنْ هَلَكَ الزَّرْعُ) فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (بِجَائِحَةٍ) مِنْ نَحْوِ سَيْلٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَحِقَتْ مَالَهُ لَا مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ احْتِرَاقَ الْبَزِّ فِي الدُّكَّانِ الْمُكْرَى (لَا إنْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ) بِجَائِحَةٍ أَبْطَلَتْ قُوَّةَ الْإِنْبَاتِ فَتَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي (فَلَوْ تَلِفَ الزَّرْعُ) قَبْلَ تَلَفِ الْأَرْضِ (وَتَعَذَّرَ إبْدَالُهُ قَبْلَ الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهَا لَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمُسَمَّى لِمَا قَبْلَ التَّلَفِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ صَلَاحِيَّةُ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا نَفْعٌ بَعْدَ فَوَاتِ الزَّرْعِ وَقِيلَ يَسْتَرِدُّ لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَرْضِ عَلَى صِفَتِهَا مَطْلُوبٌ فَإِذَا زَالَتْ ثَبَتَ الِانْفِسَاخُ وَالتَّرْجِيحُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالتَّقْيِيدِ بِتَعَذُّرِ الْإِبْدَالِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْقَمُولِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَخَرَجَ بِمَا قَبْلَ التَّلَفِ الْمَزِيدِ عَلَى الْأَصْلِ مَا بَعْدَهُ فَيَسْتَرِدُّ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَمَّى لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِيهِ (أَوْ) تَلَفِ الزَّرْعِ (بَعْدَ تَلَفِهَا) أَيْ تَلَفِ الْأَرْضِ (اسْتَرَدَّ حِصَّةَ مَا بَعْدَ تَلَفِهَا لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْأَرْضُ لَاسْتَحَقَّ الْمَنْفَعَةَ) وَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ تَلَفِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ حِصَّةَ مَا قَبْلَهُ، الْأَصَحُّ كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ خِلَافُهُ لِأَنَّ أَوَّلَ الزِّرَاعَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَمْ يُسْلَمْ إلَى الْآخَرِ هَكَذَا أَفْهَمَ هَذَا الْمَقَامُ كَمَا لَخَّصَهُ الْقَمُولِيُّ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُخْلَصَةٍ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ وَهُوَ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ) بِالْكُلِّيَّةِ (إمَّا شَرْعًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ (وَإِمَّا حِسًّا كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً فَتَلِفَتْ وَلَوْ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ وَفَارَقَ إتْلَافُهُ هُنَا إتْلَافَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ فَإِذَا أَتْلَفَهَا الْمُشْتَرِي صَارَ قَابِضًا وَالْإِجَارَةُ تَرِدُ عَلَى الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَقْبَلَةُ مَعْدُومَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ إتْلَافُهَا فَإِذَا أَتْلَفَ مَحَلَّهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي (فَقَطْ) أَيْ (لَا) فِي (الْمَاضِي إنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ فِيهِ أَيْضًا (بَلْ لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاضِي الَّذِي لَهُ أُجْرَةٌ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ اُسْتُهْلِكَتْ وَقِيلَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (وَلَهُ مِنْ الْمُسَمَّى قِسْطُ الْمَاضِي) مِنْ الْمُدَّةِ (مُوَزَّعًا عَلَى قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ) وَهِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ (لَا) عَلَى (الزَّمَانِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَرُبَّمَا تَزِيدُ أُجْرَةُ شَهْرٍ عَلَى أُجْرَةِ شَهْرٍ لِكَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ فَإِذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ سَنَةً وَمَضَى نِصْفُهَا وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ضِعْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَجَبَ مِنْ الْمُسَمَّى ثُلُثَاهُ وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَثُلُثُهُ، وَالْعِبْرَةُ بِتَقْوِيمِ الْمَنْفَعَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا بِمَا بَعْدَهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَكَالدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ الْأَجِيرُ الْمُعَيَّنُ وَخَرَجَ بِهِمَا مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمَا إذَا قُبِضَا وَتَلِفَا أُبْدِلَا وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ عَلَى الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ.
(فَرْعٌ تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ (بِانْهِدَامِ الدَّارِ) الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلَوْ بِهَدْمِ الْمُسْتَأْجِرِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ فَتَنْفَسِخُ بِالْكُلِّيَّةِ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهَذَا هُوَ الْمُفْتَى) بِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَاضِحٌ إذْ الْعِلَّةُ فِيهِ التَّشْقِيصُ الْمُؤَدِّي إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ نَعَمْ بِحَمْلِ قَوْلِهِمَا " فَالْوَجْهُ إلَخْ " عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا، أَوْ بَهِيمَةً أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى التَّشْقِيصِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ) وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي الْأَثْنَاءِ وَفَسَخَ وَقُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ فِيمَا مَضَى قَالَ السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْأَرْشُ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فَلَا أَرْشَ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَفِيمَا مَضَى نَظَرٌ قَالَ الْغَزِّيِّ وَيُتَّجَهُ وُجُوبُهُ كَمَا فِي كُلِّ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهَا) مِنْ الْأَعْذَارِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا خَارِجَ الْبَلَدِ فَنَزَلَ الْعَسْكَرُ عَلَى الْبَابِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَتَعَذَّرَ انْتِفَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْحَانُوتِ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَأُخِذَتْ أَبْوَابُهُ فَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ إلَى أَنْ يُفْسَخَ وَأَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ فِي أَيَّامِ الْعُطْلَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ رَجُلًا اكْتَرَى مَرْكَبًا - مِنْ عَادَةِ النَّاسِ التَّفَرُّجُ فِيهَا - فَمَنَعَ أَمِيرُ الْبَلَدِ التَّفَرُّجَ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ فَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَمْ تَنْفَسِخْ فِي الْبَاقِي) يُسْتَثْنَى مَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ ذِمِّيًّا لِلْجِهَادِ وَتَعَذَّرَ الْجِهَادُ لِصُلْحٍ حَصَلَ قَبْلَ مَسِيرِ الْجَيْشِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ وَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ بِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِعُمُومِ الْمَصَالِحِ مِنْ الْإِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ تُفْسَخْ بِمِثْلِهِ الْعُقُودُ الْخَاصَّةُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَمَا إذَا أَجَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْمُهَايَأَةِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَلَفِ الْأَرْضِ) قَالَ شَيْخُنَا، أَوْ مَعَهَا (قَوْلُهُ: وَالتَّرْجِيحُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِهَدْمِ الْمُسْتَأْجِرِ) أَمَّا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي النِّكَاحِ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَوْ خَرَّبَ الدَّارَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَخْرِيبٍ يَحْصُلُ مِنْهُ تَعْيِيبٌ لَا هَدْمٌ كَامِلٌ.