الدُّنْيَا، وَقد سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أَحَدنَا يُقَاتل للمغنم، وأحدنا يُقَاتل للذّكر وأحدنا يُقَاتل ليرى مَكَانَهُ، فأينا فِي سَبِيل الله؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا فَهُوَ فِي سَبِيل الله ". وَورد أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر تعلق أَي: تَأْكُل من ثمار الْجنَّة، وَمَعْلُوم أَن أكل الْأَرْوَاح وغذاءها لَيْسَ كَأَكْل الْجِسْم، بل هُوَ غذَاء روحاني لطيف يشبه شم الْعطر وَالطّيب وَسموا شُهَدَاء لشهودهم النَّعيم قبل غَيرهم، وَقيل: سموا بذلك لشهادة الله تَعَالَى لَهُم بالخيرة وَالْفضل، وَقيل: لأَنهم يشْهدُونَ على الْأُمَم بِأَن رسلهم بلغتهم أوَامِر الله ونواهيه، وَورد أَن دِمَاء الشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة يكون لَوْنهَا لون الدَّم وريحها ريح الْمسك، وَقد تَوَاتر فِي المحسوس بَقَاء أجسام الشُّهَدَاء على حَالهَا، وَأما الْحَيَاة التَّامَّة الدُّنْيَوِيَّة فَلَا تكون فِي البرزخ.
حَيَاة المؤذنين والأولياء وَالْعُلَمَاء، ذكرهَا كثير من أهل الْعلم بِغَيْر دَلِيل، وَكَأَنَّهُم قاسوها على حَيَاة الشُّهَدَاء، لَكِن هَذَا لَا يثبت بِالْقِيَاسِ بل بِالنَّصِّ، وَحَدِيث: إِن الْعلمَاء تحْشر فِي زمرة الشُّهَدَاء لَا يلْزم مِنْهُ حياتهم وَمَعَ ذَلِك فَالْحَدِيث ضَعِيف، بِاتِّفَاق أهل الْعلم، تقدم الْكَلَام على حَدِيث: " يُوزن دم الشُّهَدَاء ومداد الْعلمَاء فيرجح مداد الْعلمَاء "، وَأَنه لَا يَصح، وَلَا مَانع أَن الله يكرمهم بِالْحَيَاةِ الْمَذْكُورَة إِذْ كل مزية غير النُّبُوَّة جَائِزَة فِي حق الْعباد، وَلَكِن ثُبُوتهَا يحْتَاج نَص خَاص.
(فَائِدَة:)
حَيَاة الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - اخْتلف فِيهَا الْعلمَاء وأثبتها الْأَوْلِيَاء والصالحون - رضوَان الله عَلَيْهِم - وَلم يرد فِي حَيَاته شَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ. نعم ورد أَنه يجْتَمع مَعَ إلْيَاس - عَلَيْهِ السَّلَام - كل عَام فِي الْمَوْسِم وَلَكِن سَنَده لم يَصح وَقَالَ الْمَنَاوِيّ: ضَعِيف وَقَالَ ابْن حجر والسخاوي: مُنكر، وعَلى فرض صِحَّته فَيدل لحياة إلْيَاس وَهُوَ بَاطِل أَيْضا، وَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأحمد فِي حَيَاة إلْيَاس وَأَن طوله ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَأَنه يمشي فِي السَّحَاب وَأَنه اجْتمع بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأكل مَعَه. وَأوردهُ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة يزِيد بن يزِيد البلوي وَقَالَ: هَذَا خبر بَاطِل وَيُؤَيّد ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه} الْآيَة، فَأخذ الْعَهْد على كل نَبِي بوقته أَنه إِن أدْرك مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم بنصره ويؤمن بِهِ وَالْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - نَبِي على الْمَشْهُور عِنْد الْعلمَاء وَإِن لم يكن نَبيا فَهُوَ تَابع لنَبِيّ فَيجب عَلَيْهِ نصْرَة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واتباعه إِن كَانَ حَيا وَلم يرد مَا يدل على حَيَاته فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو ورد لما خَفِي علينا؛ لِأَنَّهُ من الْأُمُور الغريبة وَلَو فرضت حَيَاته فِي عصر الصَّحَابَة لمات؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْعلم أَن ابْن عمر قَالَ: صلى بِنَا