الفصل الثالث
أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها
المبحث الأول
تمهيد حقيقة الصراع بين الدعوة وبين خصومها: إن خصوم هذه الدعوة الإصلاحية المباركة إنما كانوا دائمًا (في كل زمان، وكل مكان) وفي كل أمة هم خصوم الأنبياء والدعاة والمصلحين، وهم خصوم السنة وأهلها، وخصوم السلف الصالح، من أهل الأهواء، والبدع والافتراق والجهل والحسد، كما قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112] [سورة الأنعام، آية: 112] ، وكذلك الحال مع ورثة الأنبياء وهم العلماء الدعاة المصلحون.
إن الصراع بين الدعوة وبين خصومها لم يكن في حقيقته صراعًا سياسيًا ولا ماديا، ولا صراعًا على المصالح الدنيوية أيا كان نوعها (وإن كانت هذه الأمور من أسبابه) .
إنما كان صراعًا عقديًا بالدرجة الأولى، ومظاهر الصراع السياسي وغيره جاءت تباعا؛ لأن الدعوة أعلنت نشر التوحيد والسنة، ومحاربة الشركيات والبدع السائدة وأعلنت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود، وتحقيق العدل ورفع الظلم، والعمل بشرع الله في أمور الحياة وسعت إلى نشر العلم، ومحاربة الجهل والدجل والسحر والفساد.
فقد انطلقت الدعوة من قاعدة {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] [سورة النحل، آية: 36] ، وهذا يتصادم مع عقائد أهل البدع والأهواء والافتراق، والمنتفعين من شيوع البدع والجهل والتخلف.
هذه هي الحقيقة ولا شك.
وكل رسائل الدعوة وكتبها وأعمالها وتعاملاتها تدور على هذا الأصل: العودة للإسلام والسنة، كما هي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح، نقية صافية من شوائب الشركيات والبدع والأهواء والجهالات والطرق والفرق.
وهذا منبع الخلاف ومنشأ الصراع.
نعم، لقد واجهت هذه الدعوة المباركة إمامها وعلماؤها وقادتها ودولتها، وأتباعها وأنصارها ومؤيدوها حيثما كانوا - ولا تزال تواجه - أصنافًا من الخصوم، وأنواعًا من التحديات والمفتريات والدعايات المضادة والخصومات.
فهي - كأي دعوة وحركة إصلاحية جادة - قد اصطدمت بقوى وتحديات وعقبات كبرى ومكائد عظيمة، وخصوم أقوياء، وأعداء أشداء من ديانات وفرق ومذاهب، ودول