وما كانت تجره من صراعات وفتن يقتل فيها خلق كثير1.
هذا كله أدى إلى ظهور فئتين من الناس متناقضتين:
فئة سلكت طريق اللهو والعبث والمجون وتمثل ذلك في شيوع البغاء، وشرب الخمر، وكثرة اللصوص، وقطاع الطريق2. ولم تكن هذه الفئة أيضا بمنأى عن كثير من العادات السيئة والأخلاق الذميمة التي ظهرت في المجتمع، كالملق والرياء والرشوة والسعاية3، وهي عادات غريبة عن الإسلام وتقاليد العرب، ولكنها ظهرت في مجتمع كان – كما ذكرنا – خليطا من عناصر وجنسيات عديدة.
والفئة الأخرى سلكت طريق الزهد والقناعة والعفاف متسلحة بالإيمان الصادق، صابرة محتسبة، راغبة فيما هو خير وأبقى، ولا ترى شعاع أمل في الحياة إلا من خلال التعبد والتقرب إلى الله.
ومن هذه الفئة من أمعن في الزهد وبالغ فيه، فانقطع عن الدنيا، واعتزل في المساجد والزوايا ورباطات الصوفية، ولعل هذا التصرف كان ردة فعل قوية للمتناقضات التي كانت تحكم هذا العصر، والتي تتمثل – كما أسلفنا- في الغنى الفاحش عند الخاصة والفقر المدقع عند العامة.