نقطة البدء في نظرنا هي وصف دانتي للغة الإيطالية المثالية في كتاب أصدره عام 1305 بعنوان عز وجلe Vulgari صلى الله عليه وسلمloquentia، وقد قرن بدراسة صائبة عن توالد اللغات، وعن أصل اللغات الإيطالية والفرنسية والبروفنسالية، والعلاقة بينها، وبتصنيف دقيق في جملته للهجات الإيطالية. ثم أخذت النهضة تشق طريقها، ولكن ببطء وبطريقة غائمة نحو الآراء اللغوية الحديثة.
وقد كان الإسهام الأساسي الذي قدمته العصور الوسطى لعلم اللغة هو محاولة تقديم نحو عالمي صالح للتطبيق -مع إدخال تعديلات مناسبة- على كل اللغات, وقد كان هذا -من أحد الوجوه- إحياء لفكرة قديمة سيطرت على عقول الأوائل، وهي اعتبار لغاتهم فقط هي اللغات الوحيدة التي تستحق الدراسة والتوسع لتصبح لغات عالمية. والتغير الذي قدمه علم اللغة الوسيط هو أنه اعترف بلغات أخرى بالإضافة إلى اللاتينية واليونانية، حتى ولو كانت تلك اللغات تحتل مكانة ثانوية, وظل هذا التصور للنحو العالمي يحتل عالم اللغة فترة طويلة بعد اكتشاف لغات أخرى تختلف جذريا في التركيب عن اللغات الكلاسيكية، وإن كان اكتشاف هذه اللغات قد بدأ يلقي ظلالا من الشك على قيمته. ولربما كنا على صواب إذا قلنا: إن النحو العالمي ما يزال بروحه -إلى حد ما- يسيطر على عقلية اللغويين المعاصرين، لأن من بين الأهداف التي يهتم بالوصول إليها علم اللغة الوصفي -كما صرح بذلك دي سوسير نفسه- تحقيق مبادئ قابلة للتطبيق عالميا على كل اللغات "ولاحظ كذلك محاولة Whorf لعمل نحو جديد عالمي مبني على أساس علمي بحت". والفروق الأساسية بين النظرة الوسيطة والنظرة الحديثة تكمن في العناية بالعناصر اللغوية المختلفة،