أقول: وجه وضعها بعد سورة الحجر: أن آخرها شديد الالتئام بأول هذه؛ فإن قوله في آخر تلك: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} "الحجر: 99" الذي هو مفسر بالموت، ظاهر المناسبة لقوله هنا: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} "1"، وانظر كيف جاء في المقدَّمة بـ {يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [بلفظ المضارع] 1، وفي المتأخرة بلفظ الماضي؛ لأن المستقبل سابق على الماضي، كما تقرر في المعقول والعربية2.
ثم3 ظهر لي أن هذه السورة شديدة الاعتلاق بسورة إبراهيم؛ وإنما تأخرت4 عنها لمناسبة الحجر، في كونها من ذوات {الر} .
وذلك: أن سورة إبراهيم وقع فيها ذكر فتنة الميت، ومن هو مثبت5 وغيره6، وذلك أيضًا في هذه بقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} "28" الآيات، فذكر الفتنة، وما يحصل عندها من الثبات والإضلال، وذكر هنا ما يحصل عقب ذلك من النعيم والعذاب7.