رمضان من معايشة المعاني الروحية العليا، كي تعوِّد القلب على النفور من الكذب واستهجان الغيبة والنميمة وإنكار المعاصي والحذر منها، ولابد أن يعايش معاني تدبر القرآن وتفهم الأذكار، ويذوق لذة المناجاة والتضرع بين يدي الله، فمن ذاق الحلاوة أَنِفَ من مرارة المعاصي؛ فتصبح همته متطلعة إلى معالي الأمور وتكره سفسافها.
وفرصة الاستعداد لرمضان تدريب فِعلي على الأنفة من المعاصي بكثرة الصيام وتلاوة القرآن، وحال الانشغال بذلك لا يتصور عاقل أن يمارس المعصية حال أدائه للطاعة، والأمر يحتاج إلى استنكار عقلي، ثم رفض ذهني، ثم انصراف فعلي عن المعاصي.
قال سبحانه وتعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6 - 7]، إن رؤية الإنسان لنفسه بعين الغنى تجره إلى الطغيان ومجاوزة الحد، فلا يليق بالمؤمن إلا الفقر، وهو أصل خلقته، ولكن هذا الفقر الداخلي يحتاج إلى استشعار حقيقي ليظهر أثره على الجوارح وفي الفكر والتعبد.
ومعلومٌ أن الفقر وصفٌ ذاتيٌّ لكل مخلوق، وصفٌ لازم له، كما أن الغنى وصفٌ ذاتي للخالق جل جلاله، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]؛ فلابد أن تُظهر فقرَك وذُلَّك وانكسارَك بين يديه سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123] .. وحينما تنظر في الفرق بين المسلمين يوم بدر ويوم أحد؛ ماذا تجد؟ .. يوم بدر: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} .. يوم أحد: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 143] .. هناك فرق بين من