من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها، فعلامة قبولها أن يصلها بطاعةٍ أخرى، وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة بمعصية .. ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها، وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها .. ذنبٌ واحد بعد التوبة أقبح من سبعين ذنبًا قبلها، النكسة أصعب من المرض وربما أهلكت، سلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات، وتعوذوا به من تقلب القلوب، ومن الحَوْر بعد الكَوْر، ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة، وأفحش فقر الطمع بعد غنى القناعة.

(4) صيام رمضان يستوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفَّوْن أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرًا لهذه النعمة، فإن شكر النعمة إنما يكون بفعلٍ من جنسها؛ حتى يكون الصيام نعمةً تستوجب شكرًا بصيام آخر، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، ألم تر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم حتى تتفطر قدماه، فيقال له: تفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: "أفلا أكون عبدا شكورا" (?)، فكان قيامه - صلى الله عليه وسلم - ذلك القيام الطويل حتى تتورم قدماه .. ثم حتى تتفطر قدماه .. ثم حتى تتشقق قدماه بعد تورمها، كل ذلك شكرًا لله -عز وجل- على مغفرته لذنوبه.

وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره نقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]، فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرًا عقيب ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015