قال البغوي: وبالجملة، أبهم الله هذه الليلة على الأمة؛ ليجتهدوا في العبادة ليالي العشر طمعا في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة .. وأخفى رضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها، وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها، وأخفى قيام الساعة؛ ليجتهدوا في الطاعات حذرًا من قيامها.
فخلاصة القول: أن المسلم يتحرى ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر: ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، فإن ضعف وعجز عن طلبها في الوتر الأواخر؛ فليطلبها في أوتار السبع البواقي: ليلة خمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، والله تعالى أعلم.
قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: كل زمان فاضل من ليل أو نهار فإن آخره أفضل من أوله، كيوم عرفة ويوم الجمعة، وكذلك الليل والنهار عمومًا آخره أفضل من أوله، وكذلك عشر ذي الحجة والمحرم آخرهما أفضل من أولهما.
ولقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف في العشر الأوسط من رمضان، قبل أن يعتكف العشر الأواخر التماسًا لليلة القدر قبل أن يتبين له - صلى الله عليه وسلم - أنها في العشر الأواخر، ثم لما تبين له ذلك اعتكف العشر الأواخر حتى قبضه الله -عز وجل-.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" (?)، وشد مئزره أي اعتزل النساء، ويحتمل أن يريد به الجد في العبادة، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بقي عشرة أيام من رمضان يدع أحدًا