إذا قلت: "ما رأيته مذ يومان ومنذ ليلتان" كان المعنى فيه: ما رأيته من أول اليومين إلى آخرهما، ومن أوّل الليلتين إلى آخرهما، ولَمّا1 تضمنا معنى الحرف2، وجب أن يُبنيا، وبنيت "مُذ" على السكون؛ لأن الأصل في البناء أن يكون على السكون، فبنيت على الأصل، وبُنيت "منذ" على الضم؛ لأنه لَمّا وجب أن تُحرَّك الذال؛ لالتقاء الساكنين بُنيت على الضم ... إتباعًا لضمة الميم، كما قالوا في "مُنْتِن: مُنْتُن" فضمّوا التاء إتْبَاعًا لضمة الميم؛ ومنهم من يقول: "مِنْتِن" فيكسر الميم إتباعًا لحركة التاء3، ونظير هذين الوجهين، قراءة من قرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} 4 فضم اللام إتباعًا لضمة الدال، وقراءة من قرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} 4 فكسر الدال إتباعًا لكسرة اللام؛ فلهذا، كانت "مذ، ومنذ" مبنيَّتين، وهما تختصان بابتداء الغاية في الزمان، كما أن "مِنْ" تختص بابتداء الغاية في المكان، وذهب الكوفيّون إلى أن من تُستعمل في (الزمان، كما تستعمل في) 5 المكان، واستدلوا على جواز ذلك، بقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} 6، فأدخل "مِنْ" على "أول يوم" وهو ظرف زمان، ويستدلون7 -أيضًا- بقول زهير بن أبي ُسُلمي 8: [الكامل]
لِمَنِ الدِّيارُ بِقُنَّةِ الْحِجْرِ ... أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ9
وما استدلوا به لا حُجَّة لهم فيه، أما قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى