وإذا ثبت هذا، فكل شبه كان هذا سبيله، فإنك لا تجد بين المعنى المذكور وبين المشبّه إذا أفردته، ملابسة البتة. ألا تراك تضرب الرّقم في الماء والقبض عليه، لأمور لا شبه بينهما وبينها البتة، من حيث هما رقم وقبض؟.
وإذا قد عرفت هذا فالحمل في الآية من هذا القبيل أيضا، لأنه تضمّن الشّبه من اليهود، لا لأمر يرجع إلى حقيقة الحمل، بل لأمرين آخرين: أحدهما تعدّيه إلى الأسفار، والآخر اقتران الجهل للأسفار به. وإذا كان الأمر كذلك، كان قطعك الحمل عن هذين الأمرين في البعد من الغرض، كقطعك القبض والرّقم عن الماء، في استحالة أن يعقل منها ما يعقل بعد تعدّيهما إلى الماء بوجه من الوجوه، فاعرفه.
فإن قلت: ففي اليهود شبه من الحمل، من حيث هو حمل على حال. وذلك أن الحافظ للشيء بقلبه، يشبه الحامل للشيء على ظهره، وعلى ذلك يقال: «حملة الحديث»، و «حملة العلم» كما جاء في الأثر: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله» (?)، و «ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه».
فالجواب: أن الأمر وإن كان كذلك، فإنّ هذا الشبه لم يقصدها هنا وإنما قصد ما يوجبه تعدّي الحمل إلى الأسفار، مع اقتران الجهل بها به، وهو العناء بلا منفعة.
يبيّن ذلك: أنك قد تقول للرجل يحمل في كمّه أبدا دفاتر علم، وهو بليد لا يفهم، أو كسلان لا يتعلم: «إن كان يحمل كتب العلم فالحمار أيضا قد يحمل»، تريد أن تبطل دعواه أن له في حمله فائدة، وأن تسوّي بينه وبين الحمار في فقد الفائدة مما يحمل. فالحمل هاهنا نفسه موجود في المشبّه بالحمار، ثم التشبيه لا ينصرف إليه من حيث هو حمل، وإنما ينصرف إلى ما ذكرت لك من عدم الجدوى والفائدة.
وإنما يتصوّر أن يكون الشّبه راجعا إلى الحمل من حيث هو حمل، حيث يوصف الرجل مثلا بكثرة الحفظ للوظائف، أو جهد النفس في الأشغال المتراكمة، وذلك خارج عن الغرض مما نحن فيه.