في شيئين، وإنما يتصوّر فيه التفاوت بالكثرة والقلّة والضعف والقوة، نحو أن حمرة هذا الشيء أكثر وأشد من حمرة ذاك.
وإذا تقرّرت هذه الجملة، حصل من العلم بها أن التشبيه الحقيقي الأصلي هو الضرب الأول، وأن هذا الضرب فرع له ومرتّب عليه.
ويزيد ذلك بيانا: أنّ مدار التشبيه على أنه يقتضي ضربا من الاشتراك، ومعلوم أن الاشتراك في نفس الصفة، أسبق في التصوّر من الاشتراك في مقتضى الصفة كما أن الصفة نفسها مقدّمة في الوهم على مقتضاها، فالحلاوة أوّلا، ثم إنها تقتضي اللذّة في نفس الذائق لها.
وإذا تأملنا متصرّف (?) تركيبه، وجدناه يقتضي أن يكون الشيئان من الاتفاق والاشتراك في الوصف، بحيث يجوز أن يتوهّم أن أحدهما الآخر. وهكذا تراه في العرف والمعقول، فإنّ العقلاء يؤكّدون أبدا أمر المشابهة بأن يقولوا: «لا يمكنك أن تفرق بينهما»، ولو رأيت هذا بعد أن رأيت ذاك لم تعلم أنك رأيت شيئا غير الأوّل، حتى تستدلّ بأمر خارج عن الصّورة. ومعلوم أن هذه القضية إنما توجد على الإطلاق والوجود الحقيقي في الضرب الأول وأمّا الضرب الثاني، فإنما يجيء فيه على سبيل التقدير والتنزيل، فأما أن لا تجد فصلا بين ما يقتضيه العسل في نفس الذائق، وما يحصل باللفظ المرضيّ والكلام المقبول في نفس السامع، فما لا يمكن ادّعاؤه إلّا على نوع من المقاربة أو المجازفة، فأمّا على التحقيق والقطع فلا.
فالمشابهات المتأوّلة التي ينتزعها العقل من الشيء للشيء، لا تكون في حدّ المشابهات الأصلية الظاهرة، بل الشبه العقلي كأنّ الشيء (?) به يكون شبيها بالمشبّه.
فصل
ثم إن هذا الشبه العقلي ربما انتزع من شيء واحد، كما مضى انتزاع الشّبه للفظ من حلاوة العسل وربما انتزع من عدّة أمور يجمع بعضها إلى بعض، ثم يستخرج من مجموعها الشبه، فيكون سبيله سبيل الشيئين يمزج أحدهما
بالآخر، حتى تحدث صورة غير ما كان لهما في حال الإفراد، لا سبيل الشيئين يجمع بينهما وتحفظ صورتهما.