واعلم أني ذكرت لك في تمثيل هذه الأصول الواضح الظاهر القريب المتناول الكائن من قبيل المتعارف في كل لسان، وما تجد اعترافا به وموافقة عليه من كل إنسان، أو ما يشابه هذا الحدّ ويشاكله، ويداخل هذا الضّرب ويشاركه، ولم أذكر ما يدقّ ويغمض، ويلطف ويغرب، وما هو من الأسرار التي أثارتها الصنعة، وغاصت عليها فكرة الأفراد من ذوي البراعة في الشّعر، لأن القصد إذا كان لتمهيد الأساس، ووضع قواعد القياس، كان الأولى أن يعمد إلى ما هو أظهر وأجلى من الأمثلة، لتكون الحجة بها عامّة لا يصرف وجهها بحال، والشهادة تامة لا تجد من السامعين غير قبول وإقبال، حتى إذا تمهّدت القواعد، وأحكمت العرى والمعاقد، أخذ حينئذ في تتبّع ما اخترعته القرائح، وعمد إلى حل المشكلات عن ثقة بأن هيّئت المفاتح، هذا وفي الاستعارة بعد من جهة القوانين والأصول، شغل للفكر، ومذهب للقول، وخفايا ولطائف تبرز من حجبها بالرّفق والتدريج والتلطّف والتأنّي.
ولكني أظنّ أنّ الصواب أن أنقل الكلام إلى القول على التشبيه والتمثيل وحقيقتهما والمراد منهما، خصوصا في كلام من يتكلم على الشعر، ونتعرّف أهما متساويان في المعنى، أو مختلفان، أم جنسهما واحد، إلا أن أحدهما أخصّ من الآخر؟ وأنا أضع لك جملة من القول تبين بها هذه الأمور.
التشبيه والتمثيل
اعلم أن الشيئين إذا شبّه أحدهما بالآخر كان ذلك على ضربين:
أحدهما: أن يكون من جهة أمر بيّن لا يحتاج إلى تأوّل.
والثاني: أن يكون الشبه محصّلا بضرب من التأوّل.
فمثال الأول: تشبيه الشيء بالشيء من جهة الصّورة والشكل، نحو أن يشبّه الشيء إذا استدار بالكرة في وجه، وبالحلقة في وجه آخر وكالتشبيه من جهة اللّون، كتشبيه الخدود بالورد، والشعر بالليل، والوجه بالنهار، وتشبيه سقط النار (?) بعين الديك، وما جرى في هذا الطريق أو جمع الصّورة واللون معا، كتشبيه الثّريّا بعنقود