على حدّ تناول الأسد الرجل الموصوف بالشجاعة، والبدر الموصوف بالحسن أو البهاء، والسحاب المذكور بالسخاء والسماحة، والنور العلم، والهدى والبيان، وليس إلّا أنك أردت أن الصّبا قد ترك وأهمل، وفقد نزاع النفس إليه وبطل، فصار كالأمر ينصرف عنه فتعطّل آلاته، وتطرح أداته كالجهة من جهات المسير نحو الحج أو الغزو أو التجارة يقضى منها الوطر، فتحطّ عن الخيل التي كانت تركب إليها لبودها، وتلقى عن الإبل التي كانت تحمّل لها قتودها (?).
وقد يجيء وإن كان كالتكلّف أن تقول إن «الأفراس» عبارة عن دواعي النفوس وشهواتها، وقواها في لذّاتها، أو الأسباب التي تفتل في حبل الصبا، وتنصر جانب الهوى، وتلهب أريحيّة النشاط، وتحرّك مرح الشّباب، كما قال: [من الوافر] ونعم مطيّة الجهل الشباب وقال: [من الكامل] كان الشباب مطيّة الجهل وليس من حقّك أن تتكلّف هذا في كل موضع، فإنه ربّما خرج بك إلى ما يضرّ المعنى وينبو عنه طبع الشعر، وقد يتعاطاه من يخالطه شيء من طباع التعمّق، فتجد ما يفسد أكثر مما يصلح.
ولو أنك تطلبت «للمطية» في بيت الفرزدق: [من الطويل]
لعمري لئن قيّدت نفسي لطالما … سعيت وأوضعت المطيّة في الجهل (?)
مثل هذا التأوّل، تباعدت عن الصواب، وعدلت عما يسبق إلى القلب، وذلك أن المعنى على قولك: «لطالما سعيت في الباطل، وقديما كنت في الإسراع إلى الجهل بصورة من يوضع المطيّة في سفره».