أحدهما: أن يكون امتناع تركه على ظاهره، لأمر يرجع إلى غرض المتكلم، ومثاله الآيتان المتقدم تلاوتهما. ألا ترى أنك لو رأيت «اسأل القرية» في غير التنزيل، لم تقطع بأن هاهنا محذوفا، لجواز أن يكون كلام رجل مرّ بقرية قد خربت وباد أهلها، فأراد أن يقول لصاحبه واعظا ومذكّرا، أو لنفسه متّعظا ومعتبرا: «اسأل القرية عن أهلها، وقل لها ما صنعوا»، على حد قولهم: «سل الأرض من شقّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإنها إن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا» وكذلك:
إن سمعت الرجل يقول: «ليس كمثل زيد أحد»، لم تقطع بزيادة الكاف، وجوّزت أن يريد: ليس كالرجل المعروف بمماثلة زيد أحد.
الوجه الثاني: أن يكون امتناع ترك الكلام على ظاهره، ولزوم الحكم بحذف أو زيادة، من أجل الكلام نفسه، لا من حيث غرض المتكلم به، وذلك مثل أن يكون المحذوف أحد جزءي الجملة، كالمبتدإ في نحو قوله تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 18 و 83]، وقوله: مَتاعٌ قَلِيلٌ [النحل: 117]، لا بدّ من تقدير محذوف، ولا سبيل إلى أن يكون له معنى دونه، سواء كان في التنزيل أو في غيره، فإذا نظرت إلى: «صبر جميل» في قول الشاعر (?): [من الرجز]
يشكو إليّ جملي طول السّرى … صبر جميل، فكلانا مبتلى
وجدته يقتضي تقدير محذوف، كما اقتضاه في التنزيل، وذلك أن الداعي إلى تقدير المحذوف هاهنا، هو أن الاسم الواحد لا يفيد، والصفة والموصوف حكمهما حكم الاسم الواحد، و «جميل» صفة «للصبر».
وتقول للرجل: «من هذا؟»، فيقول: «زيد»، يريد: هو زيد، فتجد هذا الإضمار واجبا، لأن الاسم الواحد لا يفيد. وكيف يتصوّر أن يفيد الاسم الواحد، ومدار الفائدة على إثبات أو نفي، وكلاهما يقتضي شيئين: مثبت ومثبت له، ومنفيّ ومنفيّ عنه؟