فإن قلت: المجاز على أقسام، والزيادة من أحدها.

قيل: هذا لك إذا حدّدت المجاز بحدّ تدخل الزيادة فيه، ولا سبيل لك إلى ذلك، لأن قولنا: «المجاز»، يفيد أن تجوز بالكلمة موضعها في أصل الوضع، وتنقلها عن دلالة إلى دلالة، أو ما قارب ذلك.

وعلى الجملة، فإنه لا يعقل من «المجاز» أن تسلب الكلمة دلالتها، ثم لا تعطيها دلالة أخرى، وأن تخليها من أن يراد بها شيء على وجه من الوجوه. ووصف اللفظة بالزيادة، يفيد أن لا يراد بها معنى، وأن تجعل كأن لم يكن لها دلالة قطّ.

فإن قلت: أو ليس يقال إن الكلمة لا تعرى من فائدة ما، ولا تصير لغوا على الإطلاق، حتى قالوا: إنّ «ما» في نحو: «فبما رحمة من الله»، تفيد التوكيد؟

فأنا أقول إنّ كون «ما» تأكيدا، نقل لها عن أصلها ومجاز فيها. وكذلك أقول:

إن كون الباء المزيدة في «ليس زيد بخارج»، لتأكيد النفي، مجاز في الكلمة، لأن أصلها أن تكون للإلصاق فإنّ ذلك على بعده لا يقدح فيما أردت تصحيحه، لأنه لا يتصوّر أن تصف الكلمة من حيث جعلت زائدة بأنها مجاز، ومتى ادّعينا لها شيئا من المعنى، فإنّا نجعلها من تلك الجهة غير مزيدة.

ولذلك يقول الشيخ أبو علي في الكلمة إذا كانت تزول عن أصلها من وجه ولا تزول من آخر: «معتدّ بها من وجه، غير معتدّ بها من وجه»، كما قال في اللّام من قولهم: «لا أبا لزيد»، وجعلها من حيث منعت أن يتعرّف «الأب» بزيد،

معتدّا بها من حيث عارضها لام الفعل من «الأب» التي لا تعود إلا في الإضافة نحو: «أبو زيد» و «أبا زيد»، غير معتدّ بها، وفي حكم المقحمة الزائدة.

وكذلك توصف «لا» في قولنا: «مررت برجل لا طويل ولا قصير»، بأنها مزيدة ولكن على هذا الحدّ، فيقال: «هي مزيدة غير معتدّ بها من حيث الإعراب، ومعتدّ بها من حيث أوجبت نفي الطول والقصر عن الرجل، ولولاها لكانا ثابتين له».

وتطلق الزيادة على «لا» في نحو قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ [الحديد: 29]، لأنها لا تفيد النفي فيما دخلت عليه، ولا يستقيم المعنى إلّا على إسقاطها. ثم إن قلنا إنّ «لا» هذه المزيدة تفيد تأكيد النفي الذي يجيء من بعد في قوله: أَلَّا يَقْدِرُونَ، وتؤذن به، فإنّا نجعلها من حيث أفادت هذا التأكيد غير مزيدة، وإنما نجعلها مزيدة من حيث لم تفد النفي الصريح فيما دخلت عليه، كما أفادته في المسألة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015