هاهنا أمورا اقتضت أن تقع البداية بالاستعارة، وبيان صدر منها، والتنبيه على طريق الانقسام فيها، حتى إذا عرف بعض ما يكشف عن حالها، ويقف على سعة مجالها، عطف عنان الشرح إلى الفصلين الآخرين، فوفّيا حقوقها، وبيّن فروقهما، ثم ينصرف إلى استقصاء الكلام في «الاستعارة».
اعلم أن «الاستعارة» في الجملة أن يكون للّفظ أصل في الوضع اللغوي معروف تدلّ الشواهد على أنه اختصّ به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلا غير لازم، فيكون هناك كالعارية.
ثم إنها تنقسم أوّلا قسمين:
أحدهما: أن يكون لنقله فائدة.
والثاني: أن لا يكون له فائدة، وأنا أبدأ بذكر غير المفيد، فإنه قصير الباع، قليل الاتساع، ثم أتكلم على المفيد الذي هو المقصود.
وموضع هذا الذي لا يفيد نقله، حيث يكون اختصاص الاسم بما وضع له من طريق أريد به التوسّع في أوضاع اللغة، والتنوّق (?) في مراعاة دقائق في الفروق في المعاني المدلول عليها، كوضعهم للعضو الواحد أسامي كثيرة بحسب اختلاف أجناس الحيوان، نحو وضع «الشفة» للإنسان و «المشفر» للبعير و «الجحفلة» للفرس، وما شاكل ذلك من فروق ربما وجدت في غير لغة العرب وربما لم توجد، فإذا استعمل الشاعر شيئا منها في غير الجنس الذي وضع له، فقد استعاره منه ونقله عن أصله وجاز به موضعه، كقول العجّاج: [من الرجز] وفاحما، ومرسنا مسرّجا (?)
يعني أنفا يبرق كالسّراج، و «المرسن» في الأصل للحيوان، لأنه الموضع الذي يقع عليه «الرسن» وقال آخر: يصف إبلا: [من الرجز]