قلت: «فعل الحيّ القادر»، أنك لم تتجوّز، وأنك واضع قدمك على محض الحقيقة، كذلك ينبغي أن يكون هو الدالّ والمقتضى، إذا قلت: «فعل الربيع»، أنك قد تجوّزت وزلت عن الحقيقة، فاعرفه.
فإن قال قائل: كان سياق هذا الكلام وتقريره يقتضي أنّ طريق المجاز كلّه العقل، وأن لا حظّ للّغة فيه، وذاك أنّا لا نجري اسم الأسد على المشبّه بالأسد، حتى ندّعي له الأسدية، وحتى نوهم أنه حين أعطاك من البسالة والبأس
والبطش، ما تجده عند الأسد، صار كأنه واحد من الأسود قد استبدل بصورته صورة الإنسان، وقد قدّمت أنت فيما مضى ما بيّن أنك لا تتجوّز في إجراء اسم المشبّه به على المشبّه، حتى تخيّل إلى نفسك أنه هو بعينه فإذا كان الأمر كذلك فأنت في قولك: «رأيت أسدا»، متجوّز من طريق المعقول، كما أنك كذلك في «فعل الربيع». وإذا كان كذلك، عاد الحديث إلى أنّ المجاز فيهما جميعا عقليّ، فكيف قسّمته قسمين لغويّ وعقلي؟
فالجواب: أنّ هذا الذي زعمت- من أنك لا تجري اسم المشبّه به على المشبّه حتى تدّعي أنه قد صار من ذلك الجنس، نحو أن تجعل الرجل كأنه في حقيقة الأسد صحيح كما زعمت، لا يدفعه أحد. كيف السبيل إلى دفعه، وعليه المعوّل في كونه التشبيه على حدّ المبالغة، وهو الفرق بين الاستعارة وبين التشبيه المرسل؟ إلّا أن هاهنا نكتة أخرى قد أغفلتها، وهي أنّ تجوّزك هذا الذي طريقه العقل، يفضي بك إلى أن تجري الاسم على شيء لم يوضع له في اللغة على كل حال، فتجوز بالاسم على الجملة الشيء الذي وضع له، فمن هاهنا جعلنا اللغة طريقا فيه.
فإن قلت: لا أسلّم أنه جرى على شيء لم يوضع له في اللغة، لأنك إذا قلت:
«لا تجريه على الرجل حتى تدّعي له أنه في معنى الأسد»، لم تكن قد أجريته على ما لم يوضع له، وإنما كان يكون جاريا على غير ما وضع له، أن لو كنت أجريته على شيء لتفيد به معنى غير الأسدية. وذلك ما لا يعقل، لأنك لا تفيد بالأسد في التشبيه أنه رجل مثلا، أو عاقل، أو على وصف لم يوضع هذا الاسم للدلالة عليه البتة.
قيل لك: قصارى حديثك هذا أنّا أجرينا اسم الأسد على الرجل المشبّه بالأسد على طريق التأويل والتخييل، أفليس على كل حال قد أجريناه على ما ليس بأسد على الحقيقة؟ وألسنا قد جعلنا له مذهبا لم يكن له في أصل الوضع؟
وهبنا قد ادّعينا للرجل الأسدية حتى استحق بذلك أن نجري عليه اسم الأسد،