بسم الله الرحمن الرحيم
«المجاز» «مفعل» من «جاز الشيء يجوزه»، إذا تعدّاه. وإذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة، وصف بأنه «مجاز»، على معنى أنهم جازوا به موضعه الأصليّ، أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه أوّلا.
ثمّ اعلم بعد أنّ في إطلاق «المجاز» على اللفظ المنقول عن أصله شرطا، وهو أن يقع نقله على وجه لا يعرى معه من ملاحظة الأصل. ومعنى «الملاحظة»، أن الاسم يقع لما تقول إنه مجاز فيه، بسبب بينه وبين الذين تجعله حقيقة فيه، نحو أن «اليد» تقع للنعمة، وأصلها الجارحة، لأجل أن الاعتبارات اللغوية تتبع أحوال المخلوقين وعاداتهم، وما يقتضيه ظاهر البنية وموضوع الجبلّة، ومن شأن النعمة أن تصدر عن «اليد»، ومنها تصل إلى المقصود بها، والموهوبة هي منه.
وكذلك الحكم إذا أريد باليد القوة والقدرة، لأن القدرة أثر ما يظهر سلطانها في اليد، وبها يكون البطش والأخذ والدفع والمنع والجذب والضرب والقطع، وغير ذلك من الأفاعيل التي تخبر فضل إخبار عن وجوه القدرة، وتنبئ عن مكانها، ولذلك تجدهم لا يريدون باليد شيئا لا ملابسة بينه وبين هذه الجارحة بوجه.
ولوجوب اعتبار هذه النكتة في وصف اللّفظ بأنه «مجاز»، لم يجز استعماله في الألفاظ التي يقع فيها اشتراك من غير سبب يكون بين المشتركين، كبعض الأسماء المجموعة في الملاحن، مثل أن «الثّور» يكون اسما للقطعة الكبيرة من الأقط (?)، و «النهار» اسم لفرخ الحبارى، و «الليل»، لولد الكروان، كما قال: [من المتقارب]
أكلت النّهار بنصف النّهار … وليلا أكلت بليل بهيم (?)